في محاولة مفهومة ومثيرة للإعجاب لاحتواء الخسائر البشرية المأساوية لفيروس “كورونا”، راهنت الحكومات والبنوك المركزية رهانا كبيرا على “لعبة الجولة الواحدة – وفقا لمصطلحات نظرية اللعب، أي أنها راهنت على أن مجموعة واحدة حاسمة وقوية من المحفزات وتدابير الإغاثة سوف تكون كافية لمعالجة الاضطرابات الناتجة عن الوباء.
ولكن يكمن القلق حاليا في أن الجولة الأولى من الاستجابات ينتهي بها الأمر بأن تكون عدوا يتضح فيما بعد أنه ماراثون.
ومن المستحيل تقريبا في الوقت الحالي أن نتهم الاحتياطي الفيدرالي بعدم القيام بما يكفي لمواجهة تهديد الاختلالات في السوق التي يمكن بدورها أن تلوث الاقتصاد المتضرر بالفعل، وبعد شهر واحد من التوظيف المتعدد لتدابير الطوارئ، ذهب الفيدرالي بالفعل إلى أبعد مما قام به أثناء الأزمة المالية العالمية، وقدرته على القيام بالمزيد لا تتعلق فقط بميزانيته – ناهيكم عن المخاطر غير الاعتيادية التي يتحملها – وإنما قد تتقلص قدرته نتيجة الصراع الذي بدأ بالفعل نتيجة الأرقام المذهلة التي ينطوي عليها الأمر بما في ذلك الحزمة الإضافية المعلن عنها يوم الخميس الماضي بقيمة 2.4 تريليون دولار والمدفوعة بالأساس من وجهة النظر بأن المركزي قام بالكثير لوول ستريت والقليل جدا للاقتصاد الحقيقي.
ووظفت الحكومات بالفعل العديد من الأدوات المالية التي تم استخدامها خلال الأزمة المالية العالمية بأكملها، ولدى برامج دعم الأسر والشركات توقيتات محددة تسلط الضوء على الافتراض بأن معظم الارتفاع المقلق في معدل البطالة سوف يكون مؤقتا ويمكن عكسه، وأنه سيتم تجنب الإفلاس الجماعي للشركات، ولكن إذا لم تتحقق هذه الافتراضات، سوف يتم تمديد البرامج بدون تردد، ولكن مع ذلك ستأتي تكاليف متزايدة وفيما يتعلق بحزم إنقاذ الشركات سوف تتداخل الحكومة مع نشاط القطاع الخاص، وكلما طال ذلك، ازداد الضرر المحتمل للإنتاجية والنمو المستقبلي في بيئة تتسم بالمديونية العالية في كل مكان.
وتشجع البنوك المركزية والحكومات المقرضين وأصحاب الأراضي وغيرهم على أن يكونوا أكثر تساهلا عندما يصبع العملاء غير قادرين على الدفع في الوقت المحدد، ومجددا، يعد ذلك معقولا جدا، وليس فقط لتجنب تحول مشكلات السيولة إلى إفلاس وإنما أيضا فيما يتعلق بالأولويات الاجتماعية الهامة، ولكن كلما طال غلق الاقتصاد، ازدادت مخاطر تضرر حتى الميزانيات القوية، ما سيجعل التعافي أصعب.
واستجابة للأدوات السياسية الهائلة التي وظفها القطاع العام، شعر المستثمرون براحة أكبر لرفع أسعار الأصول بحدة وتفضيل فئات الأصول الأكثر خطورة وسندات الشركات، وهو ما سيتناقض مع موسم الإعلان عن نتائج الإعلان والذي سيتسم بأمرين الأول هو عدم تقديم توقعات أرباح من قبل الشركات والثاني بيانات عامة من قبل الشركات تجمع بين عدم وضوح الرؤية المستقبلة والمخاطر الهبوطية الكبيرة.
وفي نفس الوقت، سوف تزداد مخاطر تأخر الشركات عن سداد الديون وفي حالة الديون السيادية، سيرتفع التعثر في الدول النامية.
ويظهر رهان المرة الواحدة كذلك على مستوى المؤسسات متعددة الأطراف، ولنأخذ صندوق النقد الدولي على سبيل المثال، والذي يستجيب استجابة مبهره لدعم الدول الأعضاء ويتعامل مع أكثر من 90 طلب مقدم للحصول على تمويل طاريء، وحتما سوف تكون هذه الأموال بدون شروط تذكر بالنظر إلى الحاجة لتقديمها سريعا، كما أن الكثير من القروض الموافق عليها لن تتضمن التركيز على استددامة الديون السيادية.
ولا يوجد الكثير من الدلائل التي تدعم الرهانات السياسية والاستراتيجية السوقية، كما أن المؤشرات المتاحة تفشل في وضع قواعد قوية لمثل هذا الرهان خاصة في يتعلق بأوجه عدم اليقين المرتبطة بمدة وحدة الإغلاق الاقتصادي وطبيعة العودة للعمل والمشهد بعد الأزمة، وكل هذه العوامل سوف تخضع للحكم الطبي الذي رغم التقدم الذي أحرزه لتقليل عدد حالات العدوى، فإنه لا يزال عليه التعامل مع القضايا الصعبة التي تتعلق بمتى وبأي طريقة يمكن رفع متطلبات التباعد الاجتماعي وكيفية الاستجابة للإشارات من آسيا فيما يتعلق باحتمالية مرض المرضى المتعافين مجددا.
وبالنظر إلى الخسائر البشرية المحتملة المتوقعة، من الطبيعي أن يضع القطاع العام هذا الرهان الكبير المالي والاقتصادي على أن يكون الدعم لمرة واحدة فقط، ومن مصلحة الجميع أن يتحقق هذه الرهان سريعا، ولكن للأسف، في الوقت الحالي يبدو ذلك مجرد أمل أكثر منه أمر مؤكد.
والحل بالتأكيد ليس الامتناع عن وضع الرهانات، ففي الواقع أنا غير قادر على اقتراح نهج آخر واسع النطاق يكون مرغوبا ومقبولا في هذه المرحلة، وبدلا من ذلك آمل مثل الجميع في خروج مبكر وسلس من هذا الكابوس الصحي والاقتصادي، ودعونا نبقي عقولنا منفتحة ونفكر في خطط طواري تتعلق بما يمكن فعله لتخفيف العواقب غير المقصودة التي ستنتج عن الجولات المتعددة للإنقاذ وما ينتج عنها من مزيد من المرونة السياسية، وهو تحد ينطبق على جميع مستويات المجتمع والحكومات والبنوك المركزية والشركات والأسر، وهو تحد آمل أن أكون قادرا على الكتابة عنه في الأسابيع المقبلة.
بقلم: محمد العريان، المستشار الاقتصادي لمجموعة “أليانز، ورئيس كلية “كوينز” بجامعة “كامبريدج”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز. المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.