ساهم التعافى الاقتصادى الذى شهدته الصين بعد احتوائها أزمة فيروس “كورونا” فى ارتفاع الطلب على البترول، ولكن المحللين حذروا من أن هذا الانتعاش لن يكون كافيا لاستيعاب التخمة العالمية التى أدت بدورها إلى انهيار أسعار البترول الخام.
وانخفض استهلاك الصين من البترول هذا العام، حيث ضرب وباء “كورونا”، الذى تسبب فى إغلاق أجزاء كبيرة من سلاسل الإمدادات الصناعية وأغلق الشركات فى البلاد، بشدة ثانى أكبر اقتصاد فى العالم.
ويُتوقع أن يؤدى الانتشار الدولى للفيروس إلى ركود عالمى، مما يفرض مزيدا من الضغوط على أسعار البترول.
وأوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” أن العالم شهد يوم الأحد الماضى التوصل إلى اتفاق بشأن إجراء تخفيضات قياسية فى إنتاج البترول، فمن المتوقع خفض الإنتاج العالمى بنحو 10%، ضمن صفقة ساهمت فى إنهاء حرب الأسعار بين روسيا والسعودية، مما قد يخفف من تخمة المعروض، ولكن لا يزال التجار يشعرون بالقلق تجاه إمكانية تراجع الطلب العالمى بشكل يفوق القيود بكثير.
وقال بير ماجنوس نيسفين، رئيس التحليل فى شركة “ريستاد إنرجى للأبحاث”: “ما رأيناه فى الصين كان واحدا من أشد الانخفاضات التى شهدناها على الإطلاق فى الطلب على البترول، ولكن الآن نحن نرى انخفاضات أكبر فى بقية العالم”.
تشير أحدث البيانات إلى أن الطلب على البترول فى الصين، أكبر مستورد للبترول الخام فى العالم، بدا وكأنه يرتفع مرة أخرى بعد السيطرة على تفشى الوباء الذى قاد البلاد إلى طريق شبه مسدود فى معظم أوقات شهر فبراير الماضى.
واستنادا على تحليل الاستخدام الصينى للمنتجات البترولية فى السيارات والسفر الجوى والصناعات، قدرت “ريستاد إنرجى” أن استهلاك البلاد من البترول انخفض إلى أقل من 10 ملايين برميل يوميا فى المتوسط خلال فبراير، متوقعة ارتفاع هذا الحجم إلى 12 مليون برميل يوميا تقريبا فى أبريل.
وأوضح مسح أجرته “ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس” أن أكبر مصافى البترول المملوكة للدولة فى الصين وصلت إلى نحو 70% من طاقتها الاستيعابية فى مارس الماضى، بعد أن وصلت إلى مستوى قياسى منخفض بلغ 67% فى فبراير الماضى، كما أوضح مزود البيانات “آى سى آى إس” أن المصافى المحلية الأصغر حجما ارتفعت قدرتها الاستيعابية إلى أكثر من 80%.
ويعتقد المحللون إن الأمر سيستغرق أكثر من الانتعاش فى الاقتصاد الصينى لدعم الطلب العالمى على البترول الخام مرة أخرى.
وقال فنج فو، رئيس قسم الأبحاث فى أسواق البترول بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى شركة “وود ماكينزى” الأمريكية للاستشارات، إن انهيار الاستهلاك العالمى للبترول بعد انتشار فيروس “كورونا” فى الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى فى العالم سيؤثر بالسلب بكل سهولة على انتعاش الطلب الصينى فى الفترة نفسها.
وعلق مستثمرو البترول آمالهم على إمكانية استغلال الصين لفرصة انخفاض الأسعار لزيادة احتياطياتها الضخمة من البترول الخام، فى خطوة أخرى من شأنها المساهمة فى رفع الطلب.
وطلب المسئولون الصينيون من الوكالات الحكومية وشركات الطاقة المملوكة للدولة النظر فى تعزيز المخزون الاستراتيجى للبلاد، ولكن المحللين يعتقدون أن أى زيادة فى احتياطيات الصين يمكن أن يكون لها تأثير محدود على أسواق البترول العالمية، مسلطين الضوء على قدرة التخزين المحدودة فى البلاد وحقيقة أنها مجهزة بشكل جيد بالفعل بمخزونات البترول الخام.
وأوضحت “فاينانشيال تايمز” أن الصين عادة لا تكشف بشكل كامل عن تفاصيل احتياطياتها الاستراتيجية من البترول، ولكن مؤسسة “وود ماكينزى” قدرت إمكانية ارتفاع مخزونات البلاد، بما فى ذلك المخزونات الحكومية والتجارية، إلى 1.15 مليار برميل هذا العام أو ما يكفى لـ83 يوماً بناء على مستويات الطلب الحالية.
وتجدر الإشارة إلى أن الصين رفعت بالفعل احتياطياتها البترولية من 200 مليون برميل فى عام 2014 إلى 900 مليون فى عام 2019.
وبدأت الصين فى التوسع فى احتياطياتها الاستراتيجية، المستوحاة من كميات البترول الضخمة فى دول مثل الولايات المتحدة واليابان، فى عام 2005، حث خضعت لثلاث دورات مدتها خمس سنوات وانتهت دورة التوسع الأخيرة فى عام 2020.