قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط فى تقرير لها؛ إن من يقرأ تقارير المؤسسات الدولية سواء المالية أو تلك التى تقدم خدمات التصنيف الائتمانى عن الاقتصاد المصرى قبل الثالث من نوفمبر 2016، وما بعده، سيجد تحولا غير مسبوق فى نظرة هذه المؤسسات للأوضاع الاقتصادية لمصر ومستقبلها الذى بات مشرقا.
وأضافت الوكالة أن التقارير تنصف اقتصاد مصر الأكثر قوة عالميا فى مواجهة الصدمات الخارجية فى الفترة الحالية، مقارنة بما كان عليه قبل قرار تحرير سعر الصرف ومدعوما بما تبع هذا القرار من إجراءات ضمن برنامج الاصلاح الاقتصادى، وأيضا مقارنة بأوضاع العديد من الدول الكبرى والمتشابهة فى أوضاعها الاقتصادية والتى تساقطت تقييماتها الائتمانية أمام “جائحة كورونا”.
وتعرض الاقتصاد المصرى لخفض فى تصنيفه الائتمانى 7 مرات بعد أحداث ثورة 25 يناير 2011 وما تبعها، وشهدت الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، نزوحا للخارج، حتى وصل إجمالى الرصيد التراكمى لاستثمارات الأجانب فى أذون الخزانة المصرية فى أكتوبر 2016 إلى قرابة 100 مليون دولار فقط، وارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 23 مليار دولار بعد الثالث من نوفمبر منذ العام ذاته، ونفس الحال بالنسبة للعديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية والفرعية والتى تبدلت من مؤشرات سلبية إلى أرقام وبيانات إيجابية على أرض الواقع.
وقد تحسن تصنيف مصر السيادى وتصنيف اقتصادها من قبل كافة مؤسسات التصنيف الدولية أكثر من مرة منذ عام 2016 وحتى الأن، ما جعل المؤسسات الدولية تضع مصر فى الصفوف الأولى للدول المرشح تحقيق اقتصاداتها معدلات مرتفعة للنمو فى العالم بحلول عام 2030.
وشكل اجتياح فيروس “كورونا المستجد”، للعالم، الاختبار الحقيقى لوضعية الاقتصاد المصرى وصلابته ومدى فاعلية برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تطبقه الحكومة والبنك المركزى المصرى منذ 2016، لتأتى كافة التقارير والتصنيفات الدولية لتصنف الاقتصاد المصرى كواحدا من اقتصادات قليلة نجحت فى التصدى لتداعيات “كورونا” مقارنة مع تهاوى العديد من الاقتصادات الكبرى والناشئة التى وقعت تحت مقصلة مؤسسات التصنيف العالمية لتخفض نظرتها الائتمانية لهذه الدول.
شهادة صندوق النقد الدولى
وجاءت الشهادة الأولى من مجتمع المؤسسات والمنظمات الدولية للاقتصاد المصرى من جانب صندوق النقد الدولى، الذى توقع أن تكون مصر الدولة العربية الوحيدة التى تحقق نموا اقتصاديا خلال 2020 فى ظل تداعيات انتشار فيروس “كورونا”، واصفا الإجراءات التى اتخذتها مصر للحد من آثار جائحة فيروس “كورونا” المستجد بالـ”حاسمة” تدعمها حزمة تحفيز شاملة تشمل احتواء انتشار الفيروس وكذلك تدابير نقدية ومالية قوية.
وذكر الصندوق عبر مديره لدائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جهاد أزعور، فى تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن حزمة الـ100 مليار جنيه التى أعلنت عنها الحكومة المصرية لدعم الاقتصاد خففت من تداعيات فيروس كورونا وجعلت الاقتصاد أكثر قوة فى مواجهة الفيروس العالمى.
كما أن الإجراءات التى اتخذها البنك المركزى المصرى من خلال تخفيض كبير وغير متوقع لسعر الفائدة بواقع 3% وضمان توافر سيولة كافية ساعدت على تحفيز الاقتصاد.
وأشار إلى أن “المركزى المصرى” سلك أكثر من اتجاه لمنع إعطاء أى فرصة لتغلغل تداعيات كورونا السلبية بقوة إلى الاقتصاد، حيث اتخذ العديد من التدابير الأخرى مثل وضع حد للسحب اليومى والإيداع لتجنب الضغط على سوق العملة، وكذلك شهادات ذات عائد الـ15% التى توفرها البنوك الحكومية.
بجانب تدابير إسقاط الديون وتأجيل سداد أقساط القروض وإلغاء القوائم السلبية لعملاء البنوك، بجانب العديد من المبادرات لدعم القطاع الخاص والسياحة والقطاع العقارى والمشروعات الصغيرة، كل ذلك خلق رواجا وساعد على تعزيز معدلات السيولة داخل الاقتصاد.
وأكد أزعور أن سعر الصرف المرن الذى يطبقه المركزى المصرى ومستوى الاحتياطى القوى الذى نجح المركزى فى تكوينه، تجاوز 45 مليار دولار لأول مرة فى تاريخه، وفر حماية كبيرة للاقتصاد المصرى أمام الصدمات الخارجية فى ظل الإنكماش العالمى الحالى.
ونبه المسئول الدولى إلى أنه يكفى أن مصر من الدول القلائل بين دول الاقتصادات الناشئة التى لم تطلب مساعدات لدعم جهودها فى مواجهة تفشى “كورونا” مقارنة بأكثر من 35 دولة بينها دول كانت تتميز باقتصادات قوية طلبت دعما نقديا مباشرا من صندوق النقد الذى ضاعف مخصصه لدعم الدول من 50 مليار دولار إلى 100 مليار دولار.
وأشار إلى أن عدم طلب لمصر مساعدات يؤكد نجاح برنامجها للإصلاح الاقتصادى الذى بدأته عام 2016 فى تمكينها من تحمل الضغوطات الخارجية مدعوما بغطاء احتياطى نقدى قوى وقطاع مصرفى متمكن وفاعل.
شهادة ستاندر أند بورز
وثانى الشهادات الدولية وربما الأهم جاءت من مؤسسة “ستاندرد أند بورز” العالمية للتصنيف الائتمانى، التى أبقت تصنيفها الائتمانى لمصر عند “بى بى” على المديين القصير والطويل الأجل، مع نظرة مستقبلية مستقرة رغم تداعيات تفشى فيروس كورونا المستجد عالميا، مؤكدة قدرة الاقتصاد المصرى على امتصاص الصدمات الاقتصادية والخارجية المؤقتة.
وذكرت المؤسسة الدولية أن الاقتصاد المصرى يتميز حاليا بالسيولة الكافية التى تمكنه من مواجهة التحديات والصدمات، ما يجعل احتمالات أى تراجع فى الناتج المحلى الإجمالى “مؤقتة”، متوقعة عودة الاقتصاد المصرى للإنطلاق بعد انتهاء تداعيات كورونا، كما توقعت تراجعا محلوظا فى معدلات الدين الخارجى والحكومى مع حلول 2022.
وعلق الدكتور محمد معيط وزير المالية على قرار مؤسسة “ستاندرد أند بورز” بالإبقاء على التصنيف الائتمانى لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية، مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصرى بأنه يعكس ثقة المؤسسات الدولية، ومؤسسات التصنيف الائتمانى فى الاقتصاد المصرى بدعم من الإصلاحات الاقتصادية والنقدية والمالية التى اتخذتها القيادة السياسية وساندها الشعب المصرى خلال السنوات الماضية؛ ما أتاح قدرا من الصلابة للاقتصاد المصرى تمكنه من التعامل مع التحديات والصدمات الداخلية والخارجية.
وأشار تقرير “ستاندرد أند بورز ” إلى أن الحكومة المصرية باتت تمتلك بدائل عديدة لتمويل احتياجاتها الخارجية والمالية من خلال أسواق السندات الدولية والمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وبنك التنمية الأفريقى وغيرها من المؤسسات المالية الدولية والإقليمية.
وأشاد التقرير بحجم احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى وقدرته على تغطية أكثر من 6 أشهر من كل الواردات السلعية والخدمية للبلاد.
وفى الوقت الذى يتوقع فيه صندوق النقد الدولى حدوث انكماش فى الاقتصاد العالمى بنسبة 3% خلال العام الجارى بسبب “جائحة كورونا” وتوقعات بنك “جولدمان ساكس” بتراجع نمو الاقتصاد العالمى بنسبة 11% على مدار العام وبنسبة 35% خلال الربع الثانى من العام، وتوقعت مؤسسة “ستاندرد أند بورز” انكماشا للاقتصاد الأمريكى بنسبة 5.2% ولدول الاتحاد الاوروبى بـ7.3%، نجد أن توقعات النمو للاقتصاد المصرى أكثر تفاؤلا حيث توقع صندوق النقد الدولى تحقيق اقتصاد مصر نموا موجبا بنسبة 2% هذا العام و2.8% العام المقبل، فيما تذهب توقعات الحكومة إلى تحقيق 4.6%.
تصنيفات الدول الناشئة
وعلى صعيد الدول الناشئة الأخرى، نجد الرؤية مختلفة، حيث خفضت وكالة “موديز” التصنيف الائتمانى لجنوب أفريقيا إلى وضع “JUNK أو خردة” وهى مستوى تقييم أقل من معدلات التقييم المتعارف عليها، كما خفضت وكالتا “فيتش” و”ستاندرد آند بورز”، تصنيفها إلى مستوى “دون الاستثماري” بعدما كان اقتصادها يوصف بأنه الأكثر تطورا فى إفريقيا فى عام 2017.
وذكرت “موديز” أن “السبب الرئيسى وراء تخفيض تصنيف جنوب إفريقيا هو التدهور المستمر فى القوة المالية للدولة، واصفة قدرة الحكومة على الحد من التدهور الاقتصادى خلال الصدمة الحالية بالمحدود، كما خفضت تقديراتها لمعدل نمو الناتج المحلى الإجمالى فى “الهند” إلى أدنى مستوى له منذ 3 عقود تقريبا عند 2.5% خلال عام 2020 من تقديرات سابقة بلغت 5.3% بسبب ارتفاع التكلفة الاقتصادية لوباء فيروس “كورونا”.
وأعلنت مؤسسة “يولر هيرميس” التابعة لمؤسسة أليانز للإئتمان، عن تخفيض تصنيفات 18 دولة فى الربع الأول من عام 2020 بسبب خطر الركود لفترات طويلة بسبب تفشى مرض “كوفيد 19″، من بين هذه الدول الإكوادور، تايلاند، إندونيسيا، الهند، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، المغرب، كينيا، غانا، موريشيوس، جمهورية التشيك، بولندا، رومانيا، أيرلندا، سلوفاكيا، ليتوانيا، والبرازيل التى وصفتها بأنها قد تدفع ثمنا باهظا فى هذه الأزمة العالمية، رغم الإصلاحات التى نفذتها. كما خفضت المؤسسة الألمانية تصنيفها لليابان الدولة الصناعية الكبرى، ولم يقتصر الامر لدى المؤسسة الألمانية على الدول، حيث خفضت تصنيف نحو 126 قطاعا داخل هذه الدول منها السيارات والنقل والإلكترونيات والبيع بالتجزئة.
ووفقا للمؤسسة الألمانية، فإن نمو الاقتصاد العالمى فى عام 2020 قد يشهد تباطؤا قويا، ليصل فقط إلى 0.5% مقارنة مع 2.5% فى 2019، فيما ستتقلص التجارة الدولية هذا العام بنسبة – 4.5% ونتيجة لذلك، سيزداد خطر عدم الوفاء بالإلتزامات بشكل ملحوظ، كما تتوقع “يولر هيرميس” أن تزيد حالات الإفلاس بين الدول المذكورة بنسبة 14% فى عام 2020.
ويقول لودوفيك سوبران، كبير الاقتصاديين فى “يولر هيرميس” و”أليانز” إن الاقتصادات الكبرى مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة، تستطيع فى الوقت الحالى حماية اقتصادها من الأزمة، لكن إذا استمرت أزمة “كورونا” وإغلاق الاقتصادات لفترة أطول، فإنها قد تواجه خطر تخفيض تصنيفها.
لكن وكالة “فيتش” العالمية للتصنيف الإئتمانى لم تنتظر فترة أطول كى تخفض تصنيف المملكة المتحدة فى ضوء تأثير “كوفيد-19″، لتخفض تصنيف الدولة صاحبة سادس أكبر اقتصاد فى العالم إلى “أى أى -” مع نظرة مستقبلية “سلبية”، مرجعة ذلك إلى صدمة غير مسبوقة بأسواق المال والنشاط الاقتصادى وانكماش عميق، بسبب إغلاق الاقتصاد للحد من انتشار الفيروس التاجي، متوقعة ارتفاع حاد فى العجز الحكومى العام ونسب الديون. والوضع ليس أفضل حالا فى أستراليا، حيث خفضت وكالة التصنيف العالمية “ستاندرد آند بورز” نظرتها لأستراليا من “مستقر” إلى “سلبى”، كما عدلت المؤسسة الدولة من نظرتها المستقلبة للاقتصاد التايلاندى إلى “مستقرة” من “إيجابية” وسط حالة عدم اليقين بشأن تفشى “كوفيد-19″، مع احتمال خفض التصنيف نظرا لتباطؤ النمو الاقتصادى المستمر.
وبالنسبة لأندونيسيا، فقد خفضت “ستاندرد آند بورز” أيضا نظرتها المستقبلية لاقتصادها من “مستقر ” إلى “سلبي”، بفعل المخاطر المالية المتزايدة التى تواجهها البلاد، فى حين خفضت “وكالة موديز” نظرتها للنظام المصرفى فى ماليزيا إلى سلبى من مستقر ليعكس المخاطر المتزايدة من تفشى “كورونا”، حيث ستزداد مخاطر الأصول للبنوك وسط توقعات بهبوط ربحيتها وتدهور الأوضاع الاقتصادية فى الأشهر الـ 12 إلى الـ18 المقبلة.
كما عدلت ” موديز” توقعاتها بشأن 12 نظاما مصرفيا فى آسيا والمحيط الهادئ إلى “سلبية” فى ضوء تفشى الفيروس التاجى والتدهور الاقتصادى الواسع، وهى الأنظمة المصرفية الأسترالية والصينية والهندية والإندونيسية والكورية والماليزية ونيوزيلندا والفلبين وسنغافورة وتايوان وتايلاند وفيتنام.
وخفضت وكالة فيتش تصنيف المكسيك إلى “بى بى بى –” مع نظرة مستقبلية “مستقرة”، وسط توقعات بركود حاد فى اقتصاد البلاد كما خفضت وكالة فيتش تصنيف الإكوادور إلى “سي” من “سى سي”، وهو ما يعكس نظرة الوكالة بأن البلاد قد تتخلف عن دفع مستحقات سوق السندات، بعد “التماس الموافقة” الذى قدمته الحكومة الإكوادورية لتأجيل مدفوعات السندات الخارجية بينما تسعى إلى إعادة هيكلة شاملة.