حتى قبل انهيار أسعار البترول الخام الأسبوع الماضي، تسببت الضربة التي لحقت بالاقتصاد العالمي جراء انتشار جائحة فيروس كورونا في إجبار الدول الرائدة في إنتاج البترول على مستوى العالم على خفض الإنفاق وإعادة صياغة موازناتها، ولكن الأمر أصبح أسوأ الآن.
انخفض خام برنت إلى ما دون 20 دولارا للبرميل يوم الثلاثاء للمرة الأولى منذ 18 عاما، بينما تراجعت المؤشرات الرئيسية الأخرى في جميع أنحاء العالم أيضا.
ونتيجة لذلك، يواجه واضعو السياسات في الدول المعتمدة على عائدات البترول في المالية العام أزمة حادة، وفقا لما أوضحته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
الشرق الأوسط
كان المنتجون في جميع أنحاء الشرق الأوسط يعانون بالفعل من فتور النمو قبل تعرضهم للأزمة الراهنة، حيث تمتلك دول المنطقة الغنية، مثل السعودية وقطر والكويت والإمارات، احتياطيات مالية ضخمة، ولكن حتى تلك الدول قد تضطر إلى خفض الإنفاق وزيادة الاقتراض.
وقالت السعودية، أكبر مصدر للبترول في العالم، الشهر الماضي، إنها تعتزم خفض إنفاق الدولة بنسبة 5%، كما أنها مستعدة لرفع سقف ديونها من 30% إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال الاستشاريون إن الإدارات الحكومية طُلب منها السيطرة على الإنفاق بنسبة تصل إلى 20%، وبالتالي فإنه يتوقع تأجيل أو تعليق الرياض لمشاريعها الحكومية، بما في ذلك المشاريع العملاقة التي تعتبر أساسية بالنسبة لخطط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتحديث الاقتصاد.
وأفادت الصحيفة أن كلا من قطر وأبوظبي قامتا بالفعل باستغلال أسواق الديون لتعزيز خزائنهما، حيث جمعتا 10 مليارات دولار و7 مليارات دولار على التوالي.
وتعتبر التحديات أكثر حدة بالنسبة للمنتجين الأفقر، مثل العراق والجزائر وعمان، الذين يفتقرون إلى القوة المالية ويحتمل أن يكافحوا للوصول إلى أسواق رأس المال.
وحذر مسئولون عراقيون من أن الحكومة ربما لا تستطيع دفع نصف رواتب القطاع العام الشهر المقبل، بينما قالت الجزائر إنها ستخفض الإنفاق الحكومي بنسبة 30%.
ويتوقع صندوق النقد الدولي إمكانية انخفاض إجمالي الاحتياطيات الأجنبية للجزائر من 96 مليار دولار المسجلة قبل ثلاثة أعوام، إلى 36 مليار دولار هذا العام و12.8 مليار دولار العام المقبل، بينما يتوقع انخفاض إجمالي الاحتياطيات الأجنبية للعراق من 68 مليار دولار العام الماضي إلى 33 مليار دولار هذا العام و10.6 مليار دولار العام المقبل.
روسيا
اضطرت روسيا إلى تقليص توقعاتها بشكل كبير المتعلقة بمدى استمرارية احتياطياتها المالية في دعم الميزانية.
توقعت موسكو، الشهر الماضي، قيام صندوقها المخصص للأوقات العصيبة والبالغ قيمته 170 مليار دولار بتمويل الفجوة في ميزانيتها لنحو 8 أعوام، ولكنها قالت في نهاية الأسبوع الماضي إن هذه الأموال ستستمر لنصف المدة المتوقعة مع استمرار انخفاض أسعار البترول.
ويعتقد وزير المالية الروسي أنتون سيلوانوف أن نصف الأموال تقريبا، المجمعة خلال السنوات القليلة الماضية باستخدام نظام يعمل على حصر الإيرادات الفائضة عندما كانت أسعار البترول أعلى من 42 دولاراً للبرميل، ستنفق في عام 2020 فقط.
تعتمد ميزانية موسكو على مبيعات البترول والغاز لتوفير 40% من عائداتها وأرصدتها، عندما يبلغ خام برنت نحو 40 دولاراً للبرميل، أي ضعف المستوى الحالي تقريبا، وقد قال مسئولون حكوميون، في بداية أبريل، إن وصول سعر برميل البترول إلى 35 دولاراً يعني أن البلاد ستواجه عجزا قدره 40 مليار دولار هذا العام.
وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي: “حكومتنا وقيادتنا لديها كل الاحتياطيات اللازمة لتخفيف الآثار السلبية لتقلب أسعار البترول على اقتصادنا، وبالطبع، إذا لزم الأمر، ستستخدم البلاد كافة الموارد المتاحة”.
أفريقيا
خفضت نيجيريا، أكبر منتج للبترول في القارة، بالفعل ميزانيتها السنوية، واتجهت نحو إلغاء الدعم المقدم للبنزين باهظ الثمن، وخفضت قيمة عملتها وطلبت 7 مليارات دولار من التمويل الطارئ متعدد الأطراف، كما حذرت من ركود وشيك.
جاءت خطوات نيجيريا في الوقت الذي كان يرتفع فيع سعر خام برنت على 30 دولاراً للبرميل، حيث يساهم البترول الخام في توليد أكثر من نصف الإيرادات الحكومية وتقريبا كافة النقد الأجنبي للبلاد.
وقالت زينب أحمد، وزيرة مالية نيجيريا، للتلفزيون المحلي قبل أسبوعين: “اقتصادنا في أزمة”، مقدرة إمكانية انكماش أكبر اقتصاد في أفريقيا بنسبة تصل إلى 3.4% هذا العام بدون خطة تحفيز ضخمة.
ويعتقد نونسو أوبيكيلي، مدير مركز تورجوت لأبحاث الاقتصاد والسياسة، إمكانية تعمق الأزمة الراهنة بشكل أكثر، خاصة بعد انخفاض سعر خام برنت بشكل أكثر.
وقال أوبيكيلي: “الفارق الكبير بين 20 دولارا و30 دولارا للبترول هو أننا قد نضطر فعليا إلى البدء في إغلاق الآبار، أما فيما يتعلق بديناميكيات السياسة المالية والنقدية، فإنها تؤدي فقط إلى تفاقم ما كان بالفعل وضع صعب”.
وقد يكون أداء منتجي البترول الآخرين في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أسوأ، فقد قال فرانسوا كونرادي، من “إن.كيه.سي أفريكان إيكونوميكس”، إن انهيار الأسعار يضع مصدري البترول في وضع شديد الضعف، حيث يتفاوضون مع المقرضين لتخفيف الضربة الاقتصادية.
وأكد كونرادي أن المناقشات الجارية بين الحكومات والمقرضين الأفريقيين، سواء الآن أو في الأشهر المقبلة، ستؤثر على المالية الحكومية والاقتصادات الأفريقية على نطاق أوسع على مدى عقود زمنية.
أمريكا اللاتينية
قالت مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس”، في تقرير صدر مؤخرا، إن انهيار أسعار البترول آخر ما تحتاجه أمريكا اللاتينية، ففي المرة الأخيرة التي انخفضت فيها أسعار البترول إلى 30 دولاراً للبرميل في بداية عام 2016، دخلت المنطقة في ركود بعد ذلك ببضعة أشهر.
تعتبر شركة البترول البرازيلية “بتروبراس”، التي تسيطر عليها الدولة، واحدة من أقوى اللاعبين في المنطقة، بينما تعتبر شركة “بيميكس” المكسيكية بالفعل واحدة من أكثر شركات البترول المثقلة بالديون في العالم، حيث تبلغ التزاماتها 105 مليارات دولار، لتخفض بذلك وكالتان من وكالات التصنيف الائتماني ديونها إلى وضع غير مرغوب فيه كما يخشى المحللون من أن تكلفة إنقاذها قد تعني المزيد من التخفيض إلى التصنيف السيادي للمكسيك.
وساهمت العقوبات الأمريكية وسنوات من سوء الإدارة في شركة البترول الوطنية الفنزويلية بالفعل في انخفاض حاد في الإنتاج، ولكن الانهيار الأخير في أسعار البترول زاد من مستوى صعوبة تصدير كاراكاس للبترول الخام.
وفي الوقت نفسه، أجبرت الإكوادور بالفعل على إعادة التفاوض بشأن ديونها الخارجية في ظل اعتمادها الشديد على عائدات البترول، حيث يشك المحللون في إمكانية استمرار الاقتصاد المثقل بالديون والمعتمد على الدولار لفترة طويلة، إذا بقيت أسعار البترول منخفضة.