تتراجع البنوك الأمريكية عن إقراض الشركات الأوروبية خلال فترة انتشار فيروس “كورونا المستجد”، مما يثير المخاوف من إمكانية انسحاب “وول ستريت” بهدوء إلى سوقها المحلية فى تكرار للأزمة المالية الأخيرة.
وقال مصرفيون ومستشارون ومسئولون تنفيذيون فى الشركات الأوروبية، إن المقرضين الأمريكيين أصبحوا أكثر حذراً فى ضمان القروض الثنائية والمشتركة للعملاء من الشركات الكبرى عبر القارة فى الأسابيع الأخيرة.
وفى ألمانيا، انسحبت مؤسسة “جى بى مورجان” المصرفية مؤخراً من المحادثات بشأن حد ائتمانى إضافى لشركة “باسف”، وهى أكبر مجموعة للمواد الكيميائية فى العالم، وفقاً للأشخاص المشاركين فى الصفقة.
وبالمثل، أقرض “بنك أوف أمريكا” نصف ما قدمته البنوك الدولية الـ6 الأخرى، التى ضمنت قرضاً مدعوماً من الدولة بقيمة 3 مليارات يورو إلى شركة “أديداس” العملاقة للملابس الرياضية.
وأوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن بنك “جولدمان ساكس”، الذى ساعد فى ضمان قرض مشترك بقيمة 3.5 مليار يورو لصانع السيارات الإيطالى الأمريكى “فيات كرايسلر” هذا الشهر، لم يشارك فى تسهيل مماثل بقيمة 12 مليار يورو للمنافس الألمانى والعميل طويل الأمد “دايملر”، تاركاً المقرضين الآخرين للتعويض عن هذا الفرق.
وقال أحد المستشارين المنخرطين بشكل مباشر فى المفاوضات بين البنوك والشركات فى ألمانيا: “إننا نلاحظ بشكل متزايد موقف أمريكا أولاً بين البنوك الأمريكية الكبيرة، فهى ليست مجرد حالات فردية، بل هناك نمط واضح”.
وتراجعت الحصة السوقية المجمعة للبنوك الأمريكية الـ5 الكبرى فى القروض المشتركة فى ألمانيا بأكثر من الثلث إلى 14.6% فى الربع الأول، حيث تمثل هذه الفترة بداية تفشى الوباء، وفقاً لبيانات شركة “ريفينيتيف” للخدمات المالية.
وقال جان بيتر كرهنن، مدير مركز الدراسات المالية فى جامعة فرانكفورت: “كل بنك يخضع لسيطرة المنظمين الوطنيين، الذين يظهرون انحيازاً كبيراً للوضع المحلى فى أوقات الأزمات، مما يؤثر بشكل كبير على إدارة المخاطر والتعرض الإقليمى، الذى يأتى على حساب العملاء فى الخارج”.
وذكرت “فاينانشيال تايمز” أن هذا الاتجاه جذب انتباه المنظمين الأوروبيين، وقال مسئول رفيع المستوى: “لقد تلقينا إشارات عديدة بأن المقرضين الأجانب بدأوا فى الابتعاد عن السوق الألمانية”، مشيراً إلى أنه ليس بإمكانهم إجبار المقرضين على الإقراض.
وفى المملكة المتحدة، انسحب “جى بى مورجان” من حزمة إنقاذ الديون والأسهم الأخيرة البالغ قيمتها 324 مليون جنيه إسترلينى المقدمة لمشغل امتيازات المطارات “إس إس بى”، رغم كونها وسيط الشركة، بينما بقيت البنوك البريطانية فقط فى الائتلاف التجارى.
وأوضحت الصحيفة، أن انخفاض الإقراض آثار المخاوف فى أوروبا بشأن مصداقية البنوك الأمريكية فى الأزمات، مشيرة إلى أن أحد أسباب تأييد برلين السياسى لمحادثات الاندماج بين “دويتشه بنك” ومنافسه المحلى “كومرتس بنك” خلال العام الماضى هو الرغبة فى ظهور بطل وطنى يواصل الإقراض فى أوقات الأزمات.