26 مليار دولار أموال خارجة من أسهم ماليزيا والفلبين وتايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية
لم يشهد رجل الأعمال ويليام هاينكى أمرا مثل هذا من قبل، فرغم اجتياز مؤسس مجموعة للضيافة فى العاصمة بانكوك، الأزمة المالية الآسيوية فى عام 1997 والتداعيات الاقتصادية لكارثة تسونامى عام 2004 التى دمرت أحد فنادق شركته، إلا أن جائحة فيروس “كورونا” المميت تؤثر على أعماله التجارية بشكل أكثر قوة بكثير.
ويعتقد هاينكى، الرئيس التنفيذى لشركة “مينور إنترناشيونال” للضيافة، التى تمتلك محفظة مكونة من 535 فندقاً وأكثر من 2200 مطعم فى تايلاند وخارجها، أن الأزمة المالية الآسيوية كانت أكثر خفة مما يمر به العالم الآن.
وأضاف: “كل ما كان علينا التعامل معه آنذاك هو انهيار البات التايلاندى ونقص الدخل فى ظل الحاجة لسداد الديون المقومة بالدولار والدخل المقوم بالبات التايلاندى، ولكن اليوم لا يوجد دخل تقريباً”.
وأوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن الشركات فى الاقتصادات الناشئة فى آسيا تقع فى قارب مماثل، حتى وإن كان الأمر بدرجات شدة متفاوتة، ففى ظل تفشى الجائحة فى الهند وجنوب شرق آسيا، التى تضم مجتمعة نحو 2 مليار شخص، تتحول حالة الطوارئ الصحية سريعاً إلى أزمة اقتصادية.
وقال جاريث ليذر، كبير الاقتصاديين الآسيويين فى مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس”، إن آسيا فى خضم انكماش مدمر، مشيراً إلى أن التعافى سيكون تدريجيا للغاية حتى لو تم احتواء الفيروس.
وتماماً كما كان الحال مع بداية الأزمة الآسيوية، كان أحد تداعيات الألم الأولى يتمثل فى تدفقات رؤوس الأموال الخارجة من أسواق الأسهم فى المنطقة، حيث سحب المستثمرون الأجانب صافى يقدر بـ26 مليار دولار من أسواق الأسهم فى ماليزيا والفلبين وتايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية هذا العام حتى 14 أبريل.
وقال المحللون، إن هذه القيمة تتجاوز المبلغ المسحوب خلال أسوأ 3 أشهر فى الأزمة المالية العالمية 2008، ولكن بقياسه كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى للدول، ستجد أنه لايزال دون مستوى هروب رؤوس الأموال المسجل خلال الأزمة المالية الآسيوية.
وواجهت الهند ضرراً شديداً، فقد أظهرت البيانات الرسمية قيام المستثمرون الأجانب بسحب رقم قياسى يقدر بـ16 مليار دولار من الأسواق المالية الهندية فى مارس، وهى قيمة تزيد عما كان عليه الوضع طوال عام 2008.
ويصعب التأكد من كيفية تطور هذه الأزمة، ولكن صندوق النقد الدولى قدم مجموعة توقعات لعام 2020، حيث يتوقع إمكانية انكماش اقتصادات تايلاند وماليزيا بنسبة 6.7% و1.7% على التوالى، بينما يجب أن تشهد إندونيسيا وفيتنام والفلبين نمواً فى ناتجها المحلى الإجمالى.
كما يتوقع نمو اقتصاد الهند بنسبة 1.9%، وهى تقديرات يعتبرها كثير من الاقتصاديين المستقلين متفائلة للغاية، وتتجه الصين، التى انكمش اقتصادها بنسبة 6.8% فى الربع الأول، إلى الانتعاش المقاس.
ويعتمد الكثير على قدرة الدول على تحديد حزم تحفيز فعالة لتعويض الضرر الاقتصادى، فقد خصصت تايلاند بالفعل 80 مليار دولار، ما يعادل 16% من الناتج المحلى الإجمالى، لدعم الأجزاء الضعيفة فى الاقتصاد، بينما أعلنت ماليزيا عن حزمة بقيمة 59.6 مليار دولار، التى تعادل أيضاً 16% من الناتج المحلى الإجمالى.
وقال ديفيد لوبين، رئيس اقتصاديات الأسواق الناشئة فى “سيتى جروب”، إن آسيا الناشئة معزولة بشكل أفضل بكثير من أوقات اندلاع الأزمة الآسيوية 1997، موضحاً أن الدول الآسيوية أمضت الـ20 عاماً الأخيرة فى تشييد احتياطياتها لمساعدتها فى تجاوز هذا النوع من الأزمات.
وذكرت “فاينانشيال تايمز”، أن التحفيز الحكومى يوجه فى معظم الحالات لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، فعلى سبيل المثال يتيح البنك المركزى التايلاندى 500 مليار بات تايلاندى “أى 15 مليار دولار” أمام البنوك فى شكل قروض ميسرة بفائدة 0.01%، ومن المفترض أن تقرضها البنوك بعد ذلك للشركات بفائدة ميسرة نسبتها 2%.
لكن الاقتصاديين يحذرون من أن العديد من دول المنطقة بحاجة لتحقيق توازن دقيق، خاصة أن تمويل حزم التحفيز عبر زيادة الدين الحكومى وخفض أسعار الفائدة فى وقت هروب رؤوس الأموال ينطوى على خطر انخفاض قيمة العملات الوطنية مقابل الدولار الأمريكى.
وتعتبر إندونيسيا مثال على ذلك، حيث قام البنك المركزى هناك بخفض أسعار الفائدة وألغى سقف عجز الموازنة البالغ 3% ويقوم بجميع الإجراءات الممكنة لتفادى أزمة إنسانية، لكن هذه الإجراءات أدت إلى التعجيل بانخفاض قيمة الروبية الإندونيسية، ومع ذلك، يعتقد الكثيرون أن المخاوف الإنسانية يجب أن تكون لها الأولوية.
وقال حمزة على مالك، من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ التابعة للأمم المتحدة: “فى البداية، يجب استخدام كافة أدوات السياسة بكامل طاقتها، ما أعنيه بذلك هو أنه بغض النظر عن المواقف المالية، يجب على الحكومات أن تخرج حقا وتساعد الناس”.
وأوضحت الصحيفة أن الهند تقع بين عدة خيارات صعبة، فقد آثار الإغلاق الشامل للبلاد مخاوف بشأن أزمة إنسانية ضخمة وأزمة جوع، حيث انهارت دخول الملايين من العمال غير النظاميين والعمال المؤقتين، كما طالبت مجموعات الأعمال الهندية بالحصول على مساعدة الحكومة لتحمل صدمة الخسارة الكلية للإيرادات.
ومع ذلك، لم تقدم إدارة رئيس الوزراء ناريندرا مودى حتى الآن سوى مساعدة ضئيلة مع حزمة تحفيز تبلغ 1% فقط من الناتج المحلى الإجمالى، ويعتقد الاقتصاديون أن سبب عزوف نيودلهى عن المساعدة يرجع جزئياً إلى توتر وضعها المالى، ولكن هناك بعض المحللين يعتقدون أن تأخير حزمة التحفيز الكبيرة التى تشتد الحاجة إليها يمكن أن يؤدى إلى تفاقم الأزمة الراهنة.
وقال جهانجير عزيز، رئيس اقتصاديات السوق الناشئة فى مؤسسة “جى بى مورجان” للخدمات المالية: “أنت بحاجة حقا إلى تقديم دعم للدخل والكثير منه، وبدون هذا الدعم يمكن أن تتضرر الميزانية العمومية للأسر وكذلك الشركات الكبرى لدرجة أنهم لن يكونوا قادرين على أن يكونوا جزءا من الانتعاش القادم عند حدوثه”.