سوف يتركنا وباء “كوفيد 19” على الأرجح فى اقتصاد تلعب فيه الشركات الكبرى دوراً أوسع وتشكل فيه حصة أكبر من التوظيف والإيرادات، ويسلط سوق الأسهم الضوء على هذه الظاهرة، فقد شهدت أكبر الشركات تراجعات أقل فى قيمة أسهمها فى المتوسط من الشركات الأصغر، وهى ما يعادل فى عالم الشركات المبدأ الاقتصادى المعروف بتأثير ماثيو “الأغنى يزيد غنا والأفقر يزيد فقرا”، فالشركات القوية ستصبح أقوى.
وهذا التحول بدأ حتى قبل ظهور الوباء، فمنذ عام 1995 إلى 2013، ارتفعت نسبة العمالة الأمريكية الموظفة فى الشركات التى يزيد عدد العالملين فيها عن 10 آلاف أو أكثر إلى حوالى 28% من 24%.
ووجدت شركة “ماكينزى للاستشارات”، أن الشركات “السوبر ستار”، التى يبلغ متوسط إيراداتها 7 أضعاف المتوسط، رفعت حصتها من سوق العمالة إلى 30% فى الفترة من 2014 إلى 2016، مقارنة بـ28% فى الفترة من 1995 و1997.
وكان هناك الكثير من الجدل حول أسباب ذلك، خاصة حول الدور الذى تلعبه الإنتاجية الأعلى، واستنتج صندوق النقد الدولى مؤخراً أن “التغيرات المدفوعة بالتكنولوجيا فى هيكل العديد من أسواق المنتجات كان لها التأثير الأكبر فى ذلك من تنظيمات الدول الفردية أو سياسات الاحتكار”.
وقد يتسارع الاتجاه فى الوقت الحالى، لأنه خلال الأزمات من غير المرجح أن تغلق الشركات الأكبر لأنهم عادة يكون لديهم سيولة أكبر من الشركات الصغيرة كما أنهم أكثر انتشاراً جغرافياً.
وأضر فيروس “كورونا” بشدة بالشركات الصغيرة والمتوسطة التى عادة ما يكون لديها نقدية قليلة، كما أن الاستجابات السياسية للحكومات حتى الأن قد تكون غير كافية للحيلولة دون مجموعة متسلسلة من الإفلاسات، ومن الممكن جداً ألا ينجو عدد كبير من الشركات الصغيرة وألا تعود بعد هدوء الأزمة.
وفى الوقت نفسه، ضرب الفيروس مناطق مختلفة بقوى متفاوتة وكذلك تنوعت الاستجابات السياسية وهذه الاختلافات سوف تستمر على الأرجح خلال الصيف وما بعده، ونظراً لأن الشركات الكبيرة أكثر تنوعاً عبر الأسواق، فهم قادرون بشكل أكبر على النجاة من الصدمات التى تختلف قوتها من مكان لآخر.
ويوجد سبب آخر لتسريع الفيروس لتزايد هيمنة الشركات الكبيرة هو أنه سوف يجعل سلاسل التوريد متداخلة عمودياً، حيث سوف تسيطر الشركات الكبيرة أكثر على شركات التوريد الأصغر فى سلسلتها، والتى تحتاج للمساعدة، خاصة أن الأزمة كشفت أوجه الضعف فى الاعتماد على الشركات الأخرى فى الإمدادات الأساسية.
وقد تتجه الكثير من الشركات الأكبر إلى نقل الإنتاج داخلها بينما تنوع أيضاً مواقعها الجغرافية، وفى الوقت نفسه مع مواجهة الموردين الأصغر أزمة مالية، فسوف يجدون الاندماج مع الشركات الأكبر أكثر جاذبية، ولطالما شجعت هيئات مكافحة الاحتكار هذا النوع من التكامل العمودى بدلاً من الاندماج الأفقى بين الشركات فى نفس المجال، خاصة إذا كانت سلاسل الإمداد تواجه خطر الانهيار.
وأحد الأسباب الأخرى التى تشير إلى أن الشركات الأكبر قد توسع حصتها السوقية هو ببساطة أنه خلال الأزمات، فإن الناس تثق فيهم أكثر، فالعمالة تكون أكثر ارتياحا للعمل فى شركات كبيرة حيث تبدو الوظيفة أكثر أماناً، بينما يثق المستهلكون فى منتجات وخدمات الشركات الأكبر التى تبدو علاماتهم التجارية أكثر أماناً، وهذه الثقة تسمح للشركات الكبيرة بالنمو أكثر، ومن الجدير بالملاحظة ازدياد القيمة الاجتماعية لقطاعين يحتويان على شركات كبيرة، وهما الصيدلة الحيوية والتكنولوجيا.
ويشير الاعتقاد السائد إلى أن الشركات الأصغر يمكن أن تستفيد عندما يتحول النشاط الاقتصادى إلى العالم الافتراضى لأنهم أكثر براعة فى استخدام تكنولوجيا المعلومات، ولكن فى الواقع، قد يكون التأثير معكوساً لأن الشركات الكبيرة تكون فى وضع أفضل لاستخدام تكنولوجيا المعلومات من الشركات الأصغر.
وبالفعل استنتج تحليل لاتجاهات ما قبل الفيروس الآتى: “عادة ما كان يؤكد البعض على أن تكنولوجيا المعلومات تجعل الملعب متساوياً من خلال توفير أدوات غير مكلفة للشركات الصغيرة والشابة”، ولكن أظهر البحث أن معظم تأثير تكنولوجيا المعلومات قد يُميل الكفة لصالح الشركات القادرة على استخدامها بفاعلية أكبر.
ويسلط رد فعل أسواق الأسهم للوباء الضوء على القوة المالية التى تأتى مع الحجم، فبين أكبر 1% من الشركات المدرجة فى البورصة وفقاً لإيرادات 2019، التى تجاوزت 25 مليار دولار، كان العائد الإجمالى للسهم حتى الآن سالب 9%، أما الشركات التى تراوحت إيراداتها بين 22 و550 مليون كان العائد أقرب إلى سالب 40%.
ومع خروجنا من أزمة وباء “كوفيد 19″، سوف تميل كفة النجاة تجاه الشركات الأكبر.
بيتر آر أورسيزاج، كاتب مقالات رأى لدى “بلومبرج”، والمدير التنفيذى لشركة “لازارد” للاستشارات المالية
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”