7 مليارات دولار تمويلات جمعتها شركات سنغافورة خلال 2019
حولت الاستثمارات العابرة للحدود داخل منطقة آسيا والمحيط الهادئ تركيزها بعيدا عن الصين خلال العقد الماضى، وحتى تستطيع تحديد المكان الذى اتجهت له بعض الاستثمارات، عليك فقط النظر إلى الناطحات المتغيرة فى مدينة “هو تشى منه” الفيتنامية، على سبيل المثال.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن النفوذ الاقتصادى الحضرى فى فيتنام شهد ارتفاع ما يقرب من 50 ناطحة سحاب منذ عام 2008، وكما هو الحال فى العديد من العواصم الأخرى فى جميع أنحاء المنطقة، كان معظم هذا النمو مدفوعا بالاستثمارات الأجنبية.
وأصبحت منطقة آسيا والمحيط الهادئ الوجهة الأكثر شعبية فى العالم للاستثمار الأجنبى المباشر، حيث استقبلت ما يقرب من نصف إجمالى الإنفاق على مستوى العالم عام 2018، وفقا للجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ التابعة للأمم المتحدة.
وتشمل بيانات الأمم المتحدة صفقات عابرة للحدود بقيمة 600 مليار دولار ومشاريع على أرض الواقع تقدر قيمتها بنحو 300 مليار دولار فى 2018، كما نما الاستثمار الأجنبى داخل المنطقة، باستثناء أوقيانوسيا، بشكل ملحوظ خلال العقد الماضى.
ومع ذلك، يمكن لانتشار جائحة فيروس “كورونا” قمع هذه الاتجاهات، فهو يخفض من أموال الشركات متعددة الجنسيات لتمويل التوسع عبر الحدود، ولكن لا يزال بإمكان المستثمرين الاستفادة من ثقل الاتجاهات الأساسية.
وأوضح بحث أجراه مركز “إف دى آى ماركتس” للأبحاث، التابع لمؤسسة “فاينانشيال تايمز” والذى يتعقب الاستثمار الأجنبى المباشر الجديد المعلن عنه أن الاستثمار الأجنبى داخل منطقة آسيا والمحيط الهادئ، باستثناء أوقيانوسيا، شهد تحولا كبيرا.
وتجدر الإشارة إلى أن “إف دى آى ماركتس” يستخدم عدد المشاريع المعلنة للتنبؤ باتجاهات الاستثمار لأنها تتطلب التزامات طويلة الأجل، بما فى ذلك الإنفاق الرأسمالى، على مدى سنوات عديدة.
وأصبحت الصين، على وجه الخصوص، مستثمرا هاما فى بقية المنطقة، فبعد أن كانت تستحوذ على 4.7% فقط من الاستثمار داخل المنطقة قبل نحو 15 عاما، أصبحت تستحوذ على 20% تقريبا من الاستثمارات، لتصبح بذلك الآن أكبر مصدر للاستثمار الأجنبى المباشر بعد اليابان.
وفى الوقت نفسه، انخفض الاستثمار داخل المنطقة فى الصين بمعظم القطاعات منذ ما يقرب من عقدين، وفقا لما قاله لورنس يو، الرئيس التنفيذى لشركة “آسيا باز استراتيجى” الاستشارية ومقرها سنغافورة.
وأوضح أن تكاليف الإنتاج أرخص وإنتاجية العمالة تحسنت فى الدول الأعضاء فى رابطة دول جنوب شرق آسيا “الآسيان”.
وأضاف: “بالمقارنة مع الآسيان، يرى بعض المستثمرين أن الصين تفقد قدرتها التنافسية بسبب قوة العملة، الأمر الذى يجعل الصادرات أكثر تكلفة”، مشيرا إلى أن الأجور فى الصين ارتفعت وأصبحت مكلفة مقارنة بتكلفة العمالة فى الهند وفيتنام وإندونيسيا.
وفى الواقع، كانت حصة الآسيان من الاستثمار الأجنبى داخل المنطقة تقدر بـ47% من الاستثمار الرأسمالى فى عام 2019، ثم أصبحت الآسيان مصدرا رئيسيا للاستثمار الأجنبى المباشر فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، باستثناء أوقيانوسيا.
فيتنام واجهة مفضلة جديدة
تعتبر فيتنام الوجهة المفضلة للمستثمرين الأجانب داخل المنطقة، ممن يستهدفون الآسيان، تليها إندونيسيا وتايلاند وسنغافورة.
وتمتعت فيتنام بنمو قوى فى الاستثمار الأجنبى المباشر للخدمات المالية- القطاع الأسيوى الأهم بالنسبة للمستثمرين الأجانب- فضلا عن قطاع التصنيع، خاصة المنسوجات ومكونات السيارات.
وفى العامين الماضيين، جذب قطاع التصنيع مبلغا غير مسبوقا من الأموال الصينية، مدفوعا جزئيا بحرب التعريفات الجمركية التى نشبت بين الولايات المتحدة والصين.
ورغم أن الاستثمار الأجنبى داخل المنطقة فى إندونيسيا وتايلاند ركز بشكل ملحوظ على الصناعات الثقيلة والتصنيع، جذبت منطقة الآسيان ككل بشكل متزايد الاستثمار الأجنبى المباشر لقطاع الخدمات، وكانت سنغافورة المستفيد الرئيسى من ذلك، فقد أصبحت فى الوقت ذاته الوجهة الأولى للشركات الإقليمية التى أنشأت مقراتها الرئيسية.
نمو سنغافورة
حتى قبل الاضطرابات السياسية فى هونج كونج، بدأ قطاع الخدمات المالية فى سنغافورة فى جذب المزيد من الاستثمار الأجنبى المباشر بشكل أكثر من منافسه.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن التنظيم العملى، خاصة فيما يتعلق بإدارة الأموال ورأس المال الاستثمارى، ساعد كثيرا فى هذا النمو.
وقالت كارولين بيكر، رئيسة وحدة الاستثمارات البديلة فى “فيسترا” ومقرها هونج كونج، إن نمو سنغافورة كمركز رئيسى للاستثمار عبر منطقة جنوب شرق آسيا يعتبر دليلا على هذا التنظيم الإيجابى.
وعندما يتعلق الأمر بالابتكار، فقد جذبت الشركات الناشئة فى البلاد أكثر من 7 مليارات دولار من رأس المال الاستثمارى العالمى فى عام 2019، رغم أن هذا الأمر متأخر بعض الشئ عن الهند وأقل بكثير من الصين، الذى يعرف أن كلاهما أكثر اكتظاظا بالسكان، بحسب مزود البيانات “PitchBook”.
وذكر داريو أكونسى، رئيس جنوب شرق آسيا فى شركة “هوكسفورد”، أن هونج كونج تفقد القليل من بريقها، بينما تأتى سنغافورة كواحدة من الوجهات المفضلة بالنسبة للاستثمارات التكنولوجية والتكنولوجيا المالية.
ويعتبر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هو القطاع الذى حقق أكبر نمو فى الاستثمار الأجنبى المباشر، حيث تعتبر الصين والهند وهونج كونج وسنغافورة على التوالى الوجهات الرئيسية للإنفاق الاستثمارى داخل المنطقة.
ويذكر أن الصين عززت الاستثمار لمدة خمس سنوات داخل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى الهند، والذى كان يعتبر بالفعل هدف استثمارى هام، خاصة فى مشاريع البحث والتطوير.
وتوجد قطاعات أخرى تشهد نموا سريعا فى الاستثمار الأجنبى المباشر داخل المنطقة، وتتمثل فى الطاقة المتجددة والفنادق والسياحة والعقارات، حيث استحوذت الصين وفيتنام على معظم المشاريع الاستثمارية الأجنبية.
وبشكل عام، نما الاستثمار داخل الدول الصغيرة فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ بقوة خلال عقد من الزمن، مع تميز كمبوديا ولاوس وسريلانكا.
وحتى اليابان، اجتذبت بشكل متزايد استثمارات من الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وهونج كونج.
ما بعد الوباء
قبل كل شيء، يلقى فيروس كورونا المميت بظلاله على المنطقة بأكملها.
وقال يو، من “آسيا باز استراتيجى” إن الخبراء الاستراتيجيين فى الشركات والمخططين بإمكانهم تمزيق جميع خططهم الاستراتيجية السابقة والبدء من جديد.
وأشار إلى أن مرحلة ما بعد الوباء ربما تشهد نموا سلبيا بأرقام مزدوجة هذا العام ونموا سلبيا أحادى الرقم العام المقبل.
وأضاف: “بالنسبة للمستثمرين، سيكون تحديد الأصول الاستراتيجية للاستثمار المتوسط والطويل أمرا هاما”.