في السنوات السابقة على فيروس”كورونا”، كانت عبارة “عدم المساواة” تتردد بشكل أكبر في المناقشات السياسية الأمريكية.
ومع تفاعل مشاهير المليارديرات بشكل مباشر أكثر مع الأمريكيين العاديين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت أوجه عدم التساوي أكثر وضوحا. وتظهر أغلب التدابير أن عدم المساواة في أمريكا في أعلى مستوياتها على الإطلاق.
والآن يهدد فيروس كورونا، بجعل الوضع السيئ بالفعل، أسوأ.
ووصف البعض، الفيروس بأنه قوة تحقيق المساواة الأكبر، لأنه يضرب الفقير والغني بنفس القوة، ولكن فيما يتعلق بالتأثيرات طويلة الأجل على النتائج الاقتصادية، فإن الفيروس قد يكون أي شيء بخلاف أن يكون قوة مساواة.
وفيما يلي بعض الطرق التي ستجعل الوباء يفاقم على الأرجح مشكلة عدم المساواة.
أولا.. البطالة:
أظهر بحث أجراه الاقتصاديون دافيد فيرسيري، وبراكاش لونجاني، وجوناثان أوستري، وبيترو بيتسوتو، أن حالة عدم المساواة في الدخل ، ترتفع لمدة خمس سنوات بعد معاناة دولة ما من وباء.
ومن الواضح أن ارتفاع معدل البطالة ووصوله إلى أكثر من 14% ومواصلته الارتفاع، جزء من ذلك.
وعادة ما يخسر العاملون منخفضو الأجور، وظائفهم أولا، ويكونون آخر من يعاد توظيفهم.
ووجد الاقتصاديون أن العمالة منخفضة التعليم ، تعاني أكثر بكثير من البطالة بعد وباء، وهي نتيجة لا تثير الدهشة.
كما أن البطالة تضر منخفضي الدخل أكثر لأنهم غير مسلحين ماليا بشكل كاف لإدارة الأزمات.
أما مرتفعي الدخول الذين يتعرضون للتسريح، عادة ما تكون لديهم مدخرات يمكنهم الاعتماد عليها حتى تتوافر فرص جديدة .
وحتى إن لم يكن لديهم مدخرات فليس من الصعب عليهم الاقتراض.
أما العمالة الأفقر التي ليس لديها مدخرات ولا تستطيع الاقتراض، فإن بطالتهم تعني فقدانهم سياراتهم، أو إصابتهم بضرر طويل الاجل يصعب التعافي منه.
ثانيا.. إعادة توزيع أقل للدخل:
وجد فيرسيري وزملاؤه، أن البطالة وللنتائج السوقية الأخرى تزيد عدم المساواة ولكنها لا تشكل جميع الزيادة، وهو ما يعني أن الدول تميل إلى التراجع عن مجهودات إعادة توزيع الثروة بعد وباء.
وقد يبدو ذلك غريبا بالنظر إلى ما ذهبت إليه الحكومات حتى الآن، لكي تعطي للعاطلين شريان حياة.
ولكن هذه السياسات وكذلك سياسات دعم الشركات خلال وبعد الوباء، تأتي بتكلفة مالية ثقيلة.
ونظرا لفقدان الإيرادات الضريبية بسبب الكساد، فإن الضغوط المالية تلح على المشرعين لبدء تدابير تقشفية بمجرد انتهاء الخطر.
وسواء كانت الحكومات محقة في ذلك أم مخطئة فهي تشرع في محاولات تضييق الأحزمة ما يعني خدمات اجتماعية أقل ومدفوعات أقل للفقراء والطبقة المتوسطة.
ثالثا.. دعم أسواق الأصول:
تميل الأسهم والعقارات والأصول المالية الأخرى للتراجع في القيمة في بداية ركود ، لأن أرباح الشركات وقدرة المستأجرين على دفع الإيجار تتضرر.
لكن تدعم البنوك المركزية بشكل متزايد قيم الأصول من خلال التصرف كمشتري الملاذ الآخير، وطالما أن ثمة ضغط هبوطي على أسعار الأصول، يمكن لـ”الفيدرالي” والبنوك المركزية الأخرى طبع الأموال وشراء الأسهم (رغم أن ذلك سيتطلب بعض المناورات القانونية المبتكرة)، وهو ما يرفع مضاعفات الربحية.
ونظرا لأن الأسهم مملوكة بشكل متفاوت من قبل الأثرياء، فإن ذلك يتسبب في عدم مساواة أكبر في الثروة.
أما العقارات، وهي الأصل الذي تضع فيه الطبقة المتوسطة أغلب ثروتها، فلا يحصل على حزمة إنقاذ مباشرة مثل الأسهم، والفقراء ليس لديهم أي أصول مالية في الأساس.
رابعا.. عدم المساواة الجغرافية:
أضر الوباء ببعض الولايات والمدن أكثر من غيرها، وفي الوقت نفسه فإن عدم كفاءة القيادة الفيدرالية أو غيابها، يعني أن التدابير لقمع نتائج الوباء تباينت تماما.
فبعض الولايات تمكنت من الحد من عدد الإصابات من خلال الإغلاق، والبعض الآخر يستخدم الاختبارات واسعة النطاق وتتبع المتعاملين مع المصاب لاحتواء الانتشار، في حين يعيد آخرون فتح الشركات مبكرا جدا في ظل وجود القليل من تدابير الاحتواء، وهو ما سيخلق مناطق حمراء (منكوبة) ومناطق خضراء (آمنة).
وسيعاني الأشخاص والشركات أكثر في المناطق الأولى، في حين يزدهرون في الثانية، وهذا بالضبط ما حدث بعد الانفلونزا الأسبانية في 1918/ 1919، وبالتالي فإن هؤلاء غير المحظوظين كفاية ويعيشون في ولايات ذات استجابات ضعيفة للفيروس سيعانون أكثر.
خامسا.. عدم المساواة في نمط المعيشة:
فرض فيروس كورونا تحديات كبيرة على الطريقة التي يعيش بها الناس ويأكلون.
وكما كان يحدث في العصور الماضية، يستطيع الأغنياء الاحتماء في منازل معزولة في الدولة بعدما تعاني الطبقة المتوسطة والفقراء من حصة متفاوتة من الإصابات وحالات الوفاة، وعندما تتحقق مناعة القطيع، يمكن للأغنياء العودة والعيش بأمان في المناطق المأهولة، وعلاوة على ذلك، يستطيع الكثيرون من أصحاب المهارات العمل من بعيد، في حين أن هؤلاء في الوظائف التي تتطلب مهارات أقل مثل التجزئة والبناء، عليهم أن يختاروا بين التضحية بصحتهم وبين فقدان دخولهم، وبالتالي خلق الوباء عدم مساواة في السلامة ووسائل الراحة والتي عادة ما تتماشى مع الاختلافات في الدخل والثروة.
سادسا.. عدم المساواة الدولية:
كانت المساواة الدولية واحدة من النقاط المضيئة على مدار العقود القليلة الماضية، مع تحقيق الدول الفقيرة بعض التقارب من الدول الغنية، ولكن نتج ذلك على الأغلب من العولمة التي هي الآن تنحسر بشكل كامل.
وانهارت أسعار السلع وهو ما سيكون بمثابة صفعة مدمرة لمساحات شاسعة من العالم النامي الذي لا يزال يعتمد على تصدير الموارد الطبيعية، كما تخنق التجارة العالمية المتراجعة أسواق التصدير في الدول الصناعية.
وإذا واصلت التوترات بين الصين وبقية العالم التصاعد أو عزز الوباء الحركات الشعبوية، فإن انحسار العولمة سيكون دائما، وقد ينتهي لحاق الدول النامية بالدول المتقدمة.
بقلم: نواه سميث، كاتب مقالات رأي لدى “بلومبرج”، وكان أستاذ تمويل مساعد في جامعة “ستوني بروك”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز.
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج.