3.2 تريليون دولار قيم ديون الأسواق الحدودية وفقا لمعهد التمويل
كانت جزر المالديف المرصعة بالمرجان، وجهة شديدة الإغراء بالنسبة للسياح لفترة طويلة؛ لكن اليوم أصبحت منتجعاتها الفاخرة المنعزلة مهجورة، باستثناء تلك التي تحولت إلى مرافق حجر صحي مؤقتة لمصابي فيروس كورونا المميت الذين تقطعت بهم السبل.
لقد دمر هذا الوباء السياحة العالمية واقتصاد المالديف، وتحول صندوق النقد الدولي من توقع نمو اقتصاد البلاد بنسبة 6% في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، إلى توقع انكماش بنسبة 8%.
ويكمن الخطر في إمكانية ترجمة هذا الركود الوحشي المفاجئ إلى تحول جزر المالديف لتصبح أحدث دولة تغرق في الإفلاس السيادي، وفقا لما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وأعلنت كل من زامبيا والإكوادور ورواندا، في الأسابيع الأخيرة، نضالها من أجل سداد ديونها.
كما بدأ لبنان بالفعل، إعادة هيكلة ديونه، في حين يبدو أن الأرجنتين تتجه نحو التخلف عن السداد للمرة التاسعة منذ الاستقلال عام 1816.
ويعتقد المستثمرون أن العديد من الدول النامية الأخرى لا تتخلف كثيرا عن هذا الوضع.
وحذر خبير الديون السيادية في جامعة ديوك، ميتو جيلاتي، من أن المالديف تعتبر بالكاد الدولة الأكثر احتمالا للاستسلام.
وقام صندوق النقد الدولي، بإقراض المالديف بالفعل 29 مليون دولار للتصدي لآثار تفشي وباء “كوفيد-19″، ولكنه حذر من أن تلاشي السياحة أضعف الاقتصاد بشدة، وبالتالي ستكون ثمة حاجة إلى دعم مالي إضافي.
وتراجع تداول سندات الدولة البالغ قيمتها 250 مليون دولار المستحقة السداد في عام 2022، إلى 81 سنتا فقط مقابل الدولار، مما يشير إلى أن المستثمرين قلقون بشكل متزايد بشأن قدرة المالديف على الوفاء بالتزاماتها.
ونمت فكرة اشتعال أزمة ديون الأسواق الناشئة الكبيرة الأخرى منذ سنوات، إذ سمحت مطالب المستثمرين للحصول على عوائد أعلى للدول الحدودية الأصغر والأقل نموا والأكثر ضعفا، باستغلال أسواق السندات بوتيرة قياسية في العقد الماضي.
وأوضحت بيانات معهد التمويل الدولي ارتفاع أعباء ديون تلك الدول من أقل من 1 تريليون دولار عام 2005 إلى 3.2 تريليون دولار، وهو ما يعادل 114% من الناتج المحلي الإجمالي للأسواق الحدودية، في حين تصل ديون الأسواق الناشئة ككل إلى ما مجموعه 71 تريليون دولار.
وقال الرئيس السابق لديون الأسواق الناشئة لدى شركة “بيمكو” الأمريكية لإدارة الاستثمارات ومساعد وزير الخزانة لشئون السياسة المالية الدولية، رامين تولوي، إن التحدي هائل، فمستوى سحب الأموال من صناديق الأسواق الناشئة أكبر وأكثر مفاجأة مما كان عليه في عام 2008، كما أن الصدمة الاقتصادية كبيرة والطريق إلى الانتعاش أكثر غموضا مما كان عليه بعد الأزمة الأخيرة.
واتفقت مجموعة العشرين على تعليق سداد القروض الثنائية البالغ قيمتها 20 مليار دولار بشكل مؤقت لصالح 76 دولة فقيرة، كما حثت الدائنين من القطاع الخاص على أن يحذو حذوها.. لكن قلة من المحللين يعتقدون أن هذا الأمر قابل للتحقيق، ويتوقعون أن تكون النتيجة، بدلا من ذلك، تأجيل سداد الديون وإعادة هيكلة ديون بعض دول العالم النامي.
ومع ذلك، ربما يكون إيجاد حل لأزمات الديون القادمة أصعب مما كان عليه في الماضي، خصوصا أن الدائنين في الوقت الراهن عبارة عن مجموعة من صناديق السندات، بدلا من البنوك والحكومات- وهم الدائنين الرئيسيين في أزمة الديون الهائلة التي ضربت العالم النامي في الثمانينيات والتسعينيات- إذ تعتبر تلك الصناديق أكثر تعقيدا في التنسيق والتوصل لاتفاق لإعادة هيكلة الديون.
ورغم ارتفاع مستوى الحاجة إلى الإغاثة المالية في كثير من الحالات، إلا أن ثمة مؤشرات على أن بعض مجموعات الاستثمار ربما تتخلى عن عادة قبول التسويات المالية المؤلمة لتحقيق إعادة الهيكلة، وبدلا من ذلك تحارب للتوصل لصفقة أفضل.
وقال المحام البارز، لي بوخيت، إن تلك المجموعات عادة ما تغادر عند ظهور أول علامة على وجود مشاكل في الدولة المدينة، خصوصا أنها لم تُعد للتعامل مع عمليات إعادة الهيكلة المطولة للديون ولا يحبون مخاطر السمعة، التي قد تنجم عن شن حملة عدوانية ضد بلد يقع في خضم ضائقة اقتصادية واجتماعية.
استراتيجية المماطلة
في الماضي، كان هذا الأمر يعرف بأنه الحفاظ على ما يسميه النقاد “الصناديق الانتهازية”، وهي عبارة عن المستثمرين الساعين إلى الاستفادة من أزمات الديون الحكومية من خلال التعنت والتهديدات القانونية.
وتتمثل استراتيجيتهم الأساسية في المماطلة، إذ ترقى عملية إعادة هيكلة الديون السيادية إلى تبادل سندات البلاد القديمة بأخرى جديدة، غالبا ما تكون قيمتها أقل وبسعر فائدة أقل أو فترات سداد أطول. ولكن المماطلين عادة ما يرفضون الانضمام إلى هذه العملية، بل بدلا من ذلك يهددون بالمطالبة بمبلغ السندات بالكامل.
وطالما أن أعدادهم ضئيلة للغاية، تختار الدول في أحيان كثيرة الدفع لهؤلاء المماطلين ببساطة بدلا من التعامل مع ضرر الدخول في معارك قضائية محتملة.
فعندما أعادت اليونان، على سبيل المثال، هيكلة معظم ديونها في عام 2012، اختارت على مضض سداد كامل قيمة السندات الخارجية، حيث تحتشد صناديق التحوط، في حين اختارت دول أخرى منها الأرجنتين، القتال.
وأوضحت “فاينانشيال تايمز” أن عدم اليقين حول نتيجة تلك الأمور ومدى صعوبة إجبار الدولة على الدفع من خلال الوسائل القانونية، ضمنت منذ فترة طويلة التوازن الدقيق والعملي لعملية إعادة هيكلة الديون السيادية.
ومع ذلك، استطاع جاي نيومان، من شركة “إليوت مانجمينت” لإدارة الاستثمارات، حفر اسمه في سجلات صناديق التحوط في عام 2016 من خلال الحصول على 2.4 مليار دولار من الأرجنتين لشركته بعد معركة قانونية دامت عقدا من الزمان.
وقال الأكاديمي في معهد كيل الألماني للاقتصاد العالمي، كريستوف تريبش، إن المماطلة بدت لفترة طويلة وكأنها لعبة قط وفأر مكلفة وغير مؤكدة، لكنها تحولت الآن إلى استراتيجية أكثر واعدة.
ورغم أن الأمر لا يزال صعبا، إلا أن الخبراء يخشون من أن نجاح “إليوت” قد يلهم مزيدا من المقلدين، ويعقد موجة أزمات ديون الأسواق الناشئة التي تلوح في الأفق.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة علامات على أن مجموعات الاستثمار التقليدية متشددة أيضا، مما قد يحول العملية الصعبة إلى كابوس طويل الأمد بالنسبة للمقرضين والمقترضين الحكوميين على حد سواء.
وبعد فشل محاولة صندوق النقد الدولي لإنشاء محكمة إفلاس شبه سيادية في مطلع القرن الـ21، كان رد الحكومات الرئيسي هو إدخال بنود العمل الجماعي فيما يخص سنداتها. وتقتضي هذه السياسة أنه إذا صوتت أغلبية كبيرة من حملة السندات على إعادة الهيكلة- 75% عادة- فإن الاتفاقية تُفرض على جميع حملة السندات.لكن المستثمرين عادوا لرشدهم، حيث اشتروا حصص كبيرة من سندات محددة في محاولة للحصول على مركز كبير يمكنهم من التمتع بحق النقض الفعلي على شروط إعادة هيكلة.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض السندات القديمة ليست بها مثل هذه الشروط.
اتفاق مؤسسي
توصلت مجموعة من خبراء الديون السيادية إلى اقتراح لتخفيف أعباء الديون، إذ يتعين على الدول إبرام اتفاقية مع الدائنين لتحويل مدفوعات الديون إلى تسهيلات ائتمانية تنشأ بواسطة البنك الدولي أو بنك إنمائي إقليمي، والتي سيتم عندئذ إعادة إقراضها إلى الدول للدفع من أجل الإنفاق الضروري.
وبمجرد أن تتلاشى الأزمة، يمكن اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت هناك حاجة لإعادة هيكلة كاملة ومنظمة للديون، مع حماية أي أموال مودعة في المنشأة.
ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كان البنك الدولي، الذي لم يعلق علنا على الفكرة، سيختار هذا الاقتراح، وربما تكون هناك حاجة إلى بعض الإكراه الصارم من أمثال الولايات المتحدة للحصول على موافقة العديد من الدائنين.
وأيا كانت السبل التي قد تتخذ في النهاية، فمن الضروري أن يبدأ صانعو السياسات، التعامل بقوة أكبر مع متاعب الأسواق الناشئة، بالنظر إلى خطورة احتمال تردد أصدائها عبر النظام المالي الدولي، وفقا لما قاله سكوت مينيرد، كبير مسئولي الاستثمار في شركة “جوجنهايم بارتنرز” للاستثمار.