ثمة دروس للتعلم بانتظار الشركات والحكومات في ظل تراجع تجارة البضائع
تم التنبؤ بموت العولمة وسلاسل التوريد الموجهة للعالم كثيرا جدا، رغم أنه من الصعب تخيل أن ذلك قد يحدث بالفعل، فضلا عن حدوث هجمات 11 سبتمبر وفيروس سارس لعام 2002 والجدل حول خدمات النقل الخارجية في بداية الألفية والأزمة المالية العالمية في 2008 والحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وتضررت التجارة العالمية بفعل كل تلك الأحداث، فقد تباطأ نمو تجارة السلع، بشكل خاص، بعد الأزمة المالية العالمية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي مما كانت عليه في العقد السابق.
ولكن رغم تراجع وتيرة نمو سلاسل التوريد إلا أن هذا النمو لم يتوقف أو يتراجع.
فهل يمكن أن يكون تفشي جائحة فيروس كورونا هو الضربة التي من شأنها تحطيم التجارة في نهاية المطاف؟
قالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية ،إن التجارة العالمية في البضائع تتخذ وضع السقوط الحر، وتتوقع منظمة التجارة العالمية انكماشها بنسبة تتراوح بين 13% و 32% هذا العام.
ولكن ما الدروس المستفادة بالنسبة للشركات والحكومات؟
على جانب العرض، ثمة اختلالات في الإنتاج، خصوصا أن مقاطعة هوبي الصينية- مركز تفشي الفيروس- تعد مركز تصنيع يعمل على إنتاج مكونات للسيارات والإلكترونيات والأدوية، وقد شعرت الشركات النهائية التي تحصل على منتجات تلك المصانع في العالم بإغلاق مصانعها، وهو شعور ساهم فيه أيضا إغلاق الموانئ والمطارات وارتفاع رسوم الشحن الجوي نتيجة الرحلات الجوية الملغاة.
ومع ذلك، لا تزال المشكلة الرئيسية تتمثل في تراجع الطلب، إذ أوضحت وحدة “بانجوفا” لتحليل سلسلة الإمداد التابعة لـ “أس أند بي جلوبال”، أن ثلثي المشاركين تقريبا في استطلاع حديث أشاروا إلى تراجع الطلب، بدلا من إغلاق الموردين أو تعطل الخدمات اللوجستية، باعتباره التهديد الرئيسي لأرباح الشركة على المدى القصير.
وبافتراض انتهاء عمليات الإغلاق الناتجة عن تفشي الوباء، سيظهر تهديد متوسط المدى بالنسبة لسلاسل الإمداد الطويلة والمعقدة في أمرين، أحدها يتعلق بالشركات التي عرضت نفسها بشكل مفرط للصدمات، والثاني يتعلق بالحكومات التي تحاول إجبار الشركات على تنويع الإمدادات دوليا أو إعادة إنتاجها إلى أرض الوطن.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه لا يبدو من الواضح ما إذا كان تقصير أو تنويع سلاسل الإمداد سيساعد الشركات على تجنب التعرض لأي صدمة عالمية، مثل فيروس كوفيد-19.
وهناك وجهة نظر قوية بين بعض الأكاديميين والإداريين حول ذلك. فقد كتبت بيتا جافورسيك، كبيرة الاقتصاديين في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، أن البحث عن أكثر الموردين فعالية من حيث التكلفة ترك العديد من الشركات دون خطة بديلة، وبالتالي ستضطر الشركات إلى إعادة التفكير في سلاسل القيمة العالمية الخاصة بها، مشيرة إلى أن النظام الذي يتطلب عمل جميع عناصره بشكل منتظم قد كشف عن عيوبه الآن.
ويعتقد بعض المديرين التنفيذيين إن الأمر ليس بهذه البساطة.
أشار جون نيل، الرئيس التنفيذي لشركة “يوني بارت” البريطانية لسلاسل الإمداد، والتي تعتبر مصدر مكونات صناعة السيارات، إلى إغلاق المملكة المتحدة خلال فترة تفشي الوباء، مما جعل الشراء من أقرب مكان للوطن لا يحدث فرقا كبيرا.
وفي الوقت نفسه، تعتبر تكاليف تغيير المورد- والاستعانة بمصادر من أكثر من مورد لنشر المخاطر- عملية باهظة التكلفة بالنسبة للصناعات المعقدة، مثل صناعة السيارات.
وفي هذا الصدد، قال نيل: “ستجد أنك بحاجة إلى قضاء وقت أكبر في الإدارة وبذل مجهود أكبر للتأكد فعليا من أن المورد الذي اخترته لديه عمليات قوية وموثوقة وقابلة للتكرار”.
ومع ذلك، تشعر الشركات في الدول الأخرى بشكوك تجاه هذا الأمر أيضا، فقد أنشأت الحكومة اليابانية صندوقا بقيمة 2 مليار دولار للشركات لفحص سلاسل إمدادها وربما إعادة تحويلها إلى اليابان أو التنويع خارج البلاد، ومع ذلك، كان رد الفعل الأولي من الشركات اليابانية باردا.
وذكرت “فاينانشيال تايمز” أن الصين أظهرت أمران داعمان آخران، أولهما أنها أصبحت مستهلكا ضخما ومنتجا أيضا. فحتى لو استطاعت الشركات متعددة الجنسيات من الدول الغنية الحصول على بدائل أرخص، سيظل العديد منها راغبا في ترك أثر في الصين للبيع والشراء، ويمكن أن يظهر هذا الأمر مع الشركات اليابانية التي كانت تصر على رغبتها في الاستمرار في المشاركة مع الصين.
ويتمثل الأمر الثاني في تشجيع الصين لشركاتها بنشاط على إنشاء سلاسل إمداد بمساعدة الدولة من خلال مبادرة الحزام والطريق، والتي تتضمن دافعا قويا لخدمة السوق الأوروبية.
وعندما ينحسر الوباء وينتهي الإغلاق تماما وتبدأ الشركات اتخاذ هذه القرارات، من غير المرجح أن تكون القرارات موحدة، خاصة أن شركات صناعة السيارات ذات سلاسل الإمداد باهظة الثمن والمعقدة أقل عرضة للتغيير من الشركات المصنعة للملابس، التي تقوم بإجراءات أبسط في موازنة تكاليف العمالة، وبالتالي فإنها قد تتغير بشكل أكثر بساطة.
بالإضافة إلى ذلك، سيتخذ الرؤساء التنفيذيون تلك القرارات في بيئة مسيسة حديثا، ويمكن أن يرى ذلك في انتهاز صانعي السياسة، الفرصة للمجادلة بضرورة تشجيع الحكومات سلاسل الإمداد بشكل نشط حتى يتم استعادتها.