وداعاً محسن عادل، رجل طيب القلب، عنوان لدماثة الخلق والشهامة، عرفته مكافحاً ودئوباً ومخلصاً لعمله ودائماً مبتسماً مشرقاً، يرسم البسمة على وجوه الآخرين، متحمس كل الوقت، لم أرى غير ذلك منذ أن عرفته وإذا أطلقت قلمى ليكتب كم المواقف والفضائل التى تعرضت لها مع هذا الرجل الفاضل لن يتسع المجال لحصرها وعدها فى هذه السطور القليلة، ولكن دعونى أذكر بعض منها، أول مرة التقيت بالاستاذ محسن عادل كان مدعو ضمن الحضور الممثلين فى عضوية الجمعية العامة لشركة مصر المقاصة عند انضمامى لها كعضو بمجلس إدارتها، وممثلاً عن الشركات العاملة فى مجال الأوراق المالية وذلك فى بداية العقد الماضى.
لفت نظرى مداخلاته واستفساراته الجوهرية ومقترحاته المهنية ويومها تبادلنا الحوار وفوجئت أنه ملم إلمامًا رائعًا بسيرتى الذاتية وكذلك جميع السادة الزملاء أعضاء المجلس فى ذلك الوقت، فقد جاء لحضور اللقاء وهو منظماً مستعداً وحضوره أبهرنى وذكرت له ان الشركة التى كان يعمل بها قد أحسنت الاختيار حينما اختارته لتمثيلها فى الحضور ويومها تنبأت له رحمة الله عليه أنه سيكون نجماً من نجوم سوق الأوراق المالية فى مصر والحقيقة الواقع العملى أثبت أنه يستحق أكثر من ذلك بكثير، هذا الشاب الجميل كان دائم الاتصال والمعايدة علينا فى كل المناسبات.
وفى يوم تلقيت منه اتصالاً يسألنى عن رأيى فى أنه سيتولى منصب نائب رئيس البورصة ويسأل بمنتهى التواضع والطيبة: «إيه توصياتك ليا عشان أكون بأدى دورى بمهنية شديدة»، وكنت سعيد جداً بأن شاب مليء بهذا الحماس ودمث الخلق ومحب لهذه الصناعة يتولى هذا المنصب الرفيع فى وقت عصشءيب رغم يقينى بأن هذه الصناعة لن تؤتى ثمار عهدها الأول الذى شاركنا فيه وعشناه أنا وزملائى الأعزاء الذين قاموا بتأسيس هذا السوق.
وبالرغم من ذلك وجدته متحمسًا وصلباً ومتيقناً من النجاح ومصّر عليه حبًا فى سوق الأوراق المالية وجميع العاملين به وقد كان كذلك وأكثر بكثير من كل التوقعات، كان مجتهدًا وعنوانًا للنجاح، وفى نهاية عام 2017 كنت أقوم بطرح إحدى الشركات التابعة للشركة التى أشرف على إدارتها وكان هناك بعض التحديات فى الإجراءات التى قد تعوق إتمام الطرح قبل نهاية العام فقمت بمخاطبته لطلب المساعدة فوجدته شعلة من النشاط والمتابعة والسعى لدرجة أنه كان يقوم بمتابعة الأمر بمنتهى السرعة والإصرار أكثر منى وعندما حاولت شكره على المجهود بكلمات بسيطة وجدته مبتسماً ومعبراً على أن هذا هو دوره وعمله وكأنه لم يكن دؤوب وحريص أكثر منا على إنجاز المهمة فى توقيتها، وليس ذلك فقط إنما أرجأ عطلته السنوية، لكى يدعونا لندق جرس البورصة إيذاناً لبدء تداول الشركة محل الطرح ثم يقوم بالإجازة بعد ذلك، لم أرى حرصًا مثل ذلك ولا أحد يؤدى الأشياء بمهنية وحب وتواضع وإيثار مثل ما رأيت محسن عادل رحمة الله عليه ورضوانه والموقف الآخر وليس الأخير دون أن أطيل عليكم، دعيت متحدثاً فى أحد المؤتمرات المتخصصة الكبيرة وكان المتحدث الرسمى عن الحكومة هو محسن عادل بصفته رئيس الهيئة العامة للاستثمار.
وعند بدء المؤتمر وقبل أن يتحدث فوجئت به يقول أولاً أحب أن أعبر عن امتنانى وسعادتى إننى أتحدث فى مؤتمر يحضره استاذى، و«أشار إلى» لم أرى تواضعاً وأدباً وخلقاً قط مثل ما رأيت من هذا الرجل فى معاملة القاسى والدانى، الكبير والصغير، شاركونى فى الدعاء له، اسأل الله عز وجل أن ينعم عليه بالرحمة والمغفرة وأن يجازيه الله عنا جميعًا خير الجزاء، رحلت عن عالمنا يا محسن، ولكن تركت منهجًا محترمًا يحتزى به من يأتى بعدك يجمع بين المهنية وحسن الخلق، أسكنك الله الفردوس الأعلى وألهم عائلتك الكريمة وإيانا الصبر والسلوان.
بقلم: خالد أبوهيف؛ رئيس مجلس إدارة شركة الملتقى العربى.