«يو بى إس»: برنامج التحفيز الألمانى يعزز الإنفاق بنسبة 9% من الناتج المحلى
يمكن لهؤلاء الذين يواجهون صعوبات فى التخلص من بعض العادات السيئة، استمداد الإلهام من منطقة اليورو، التى لم تقدم سوى القليل لدعم النمو، خلال فترات الأزمات المالية والديون السيادية العالمية. وفى بعض الأحيان كان يجرى تشديد السياسة النقدية والمالية فى وقت كان ينبغى تخفيفها فيه.
وعلى النقيض من ذلك، كانت استجابة منطقة العملة الموحدة لتفشى وباء «كوفيد-19» المميت أقل تأخرا.. فيمكن التأمل فى أحداث الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر يونيو فقط، إذ أعلنت الحكومة الألمانية، التى عادة لا تحبذ الانفاق، عن حزمة حوافز لا تقل قيمتها عن 130 مليار يورو «أى 146 مليار دولار»، فى حين أعلن البنك المركزى الأوروبى نيته شراء ما قيمته 600 مليار يورو أخرى من السندات.
وكان من المقرر أن يناقش القادة الوطنيون إنشاء صندوق للتعافى الاقتصادى على مستوى الاتحاد الأوروبى بقيمة 750 مليار يورو، وهى الفكرة التى طرحت للمرة الأولى فى أبريل الماضى.
ويبقى السؤال يدور حول ما إذا كانت السياسة بإمكانها معالجة نقطة ضعف خطيرة، تتمثل فى فكرة أن الدول التى تواجه أكبر ضرر اقتصادى هى أيضا تلك التى لديها المساحة المالية الأقل.
وذكرت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية أن تفشى فيروس كورونا فى ألمانيا كان أقل حدة نسبيا. كما أن إغلاق البلاد كان أقل صرامة.
وأشار خبراء الاقتصاد فى مصرف «يو بى إس» الاستثمارى السويسرى، إلى أن البرنامج الألمانى الجديد يرفع إجمالى التحفيز المالى المقدم على مدار العام الحالى إلى 9% من الناتج المحلى الإجمالى، وهى نسبة تعتبر أكبر من تلك الخاصة بالولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك دعم مالى قليل فى كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، التى عانت من أسوأ حالات تفشى للوباء وإغلاق اقتصادى أكثر صرامة، والتى خاطرت بخسارة العائدات السياحية القيمة خلال فصل الصيف والتى تمتلك أيضا نسب دين حكومية مرتفعة.
وذكرت «ذى إيكونوميست» أن هناك خبرا سارا وهو أن صناع السياسة فى الاتحاد الأوروبى يحاولون تصحيح الخلل، إذ يمكن لصندوق التعافى الاقتصادى توجيه النقدية إلى الدول وفقا للحاجة وليس فقا لمقدار مساهمتهم فيه، ويرجع الفضل فى ذلك جزئيا إلى سخاء ألمانيا المكتشف حديثا.
ويقول الخبير الاقتصادى لدى مصرف «مورجان ستانلى» الاستثمارى، جاكوب نيل، إن الاقتراح الذى قدمته المفوضية الأوروبية يقترح إمكانية تلقى إيطاليا دعما ماليا يعادل %5 تقريبا من الناتج المحلى الإجمالى، وقروضا تقدر بنسبة %5 أخرى، فى حين يمكن أن تتلقى ألمانيا وهولندا دعما ماليا يعادل %1 فقط من الناتج المحلى الإجمالى.
وأوضحت المجلة أن الأخبار السيئة تتمثل فى أن هناك بضع دول، منها هولندا والسويد، لم توقع بعد على الاتفاق، رغم توقع العديد من خبراء الاقتصادى إبرام اتفاق.
ونتيجة لذلك يمكن أن يصبح تقديم الدعم المالى أكثر صرامة، كما أن توزيع النقدية من المقرر أن يبدأ فى عام 2021 فقط وسيتم توزيعه على عدد من السنوات.
ومن المؤكد أن هذا الأمر يعنى أن البنك المركزى الأوروبى بحاجة إلى إتمام العمل الذى يتطلب جهدا أكثر على مدار العام الجارى، وبشكل عام، شراء ما يصل إلى 1.6 تريليون يورو من ديون القطاعين العام والخاص فى عام 2020، أى ما يعادل 14% من إجمالى الناتج المحلى الخاص بالعام الماضى.
وأشارت المجلة البريطانية إلى أن البنك المركزى الأوروبى تحول بعيدا عن اتباع نهجه المعتاد «نهج واحد يناسب الجميع»، فبدلا من شراء الأصول بما يتماشى مع رأس المال الأساسي- أى مساهمة الدولة فى رأس مال البنك، الذى يتناسب بدوره مع حجمه الاقتصادي- أصبح يسعى إلى احتواء الفارق بين عائدات السندات فى الدول الأكثر خطورة وتلك الموجودة فى السندات الألمانية.
ويعتقد الخبير الاقتصادى لدى مؤسسة «جولدمان ساكس» للخدمات المالية والاستثمارية، سفين جارى ستين، أن 22% تقريبا من عمليات الشراء التابعة لبرنامج الوباء ومخطط التسهيل الكمى القديم فى شهرى أبريل ومايو كانت تتمثل فى الأوراق المالية الإيطالية، فى حين أن حصة إيطاليا فى رأس المال تقدر بـ17%، وهذا يعنى أن المركزى الأوروبى بإمكانه تمويل عجز إيطاليا بأكمله بشكل غير مباشر هذا العام.
ورغم كل تلك الأمور، ربما لا يزال التحفيز لدى منطقة اليورو أقل من المستوى المطلوب فى عام 2020، إذ يعتبر إجمالى حجم دعمها المالى أصغر رغم أنها تبدو وكأنها تعانى من ضربة اقتصادية أكبر من الولايات المتحدة.
ويعتقد قلة من خبراء الاقتصاد أن التحفيز الحالى بإمكانه إثارة معدلات التضخم، التى كانت تقع عند مستويات دون تلك التى يستهدفها البنك المركزى الأوروبى حتى قبل تفشى وباء “كوفيد-19″، وبالتالى يمكن أن يكون هناك المزيد من عمليات شراء السندات.
ويمكن لصندوق التعافى الاقتصادى أن يشكل سابقة- كما يأمل الاقتصادى فى «مورجان ستانلى» نيل- مما يسمح باستخدام أداة مالية مشتركة فى أوقات الحاجة الأخرى، خصوصا أن العادات الجيدة تميل إلى البقاء والاستمرار بمجرد تشكيلها.