“وود ماكينزي”: 40 مليار دولار مكاسب متوقعة لـ550 مصفاة مقابل 130 مليارا العام الماضي
يعد البترول الخام أكثر السلع أهمية في العالم.. لكن لا قيمة له دون مصفاة تحوله إلى منتجات يستخدمها الأفراد فعليا، مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات والبتروكيماويات المستخدمة في إنتاج البلاستيك.
وتواجه صناعة التكرير في العالم، اليوم، آلاما لم يسبق لها مثيل، وهو الأمر الذي قد تكون له آثار واضحة متتالية في باقي حقول صناعة الطاقة.
قال الرئيس التنفيذي لمجموعة “توتال”، باتريك بويان، وهي أكبر مجموعة تكرير للبترول في أوروبا ، مخاطبا المستثمرين في يونيو الماضي، إن هوامش أرباح التكرير كارثية بشكل حتمي.
وذكرت وكالة أنباء “بلومبرج” أن المصانع، التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات والتي توظف آلاف الأشخاص.. لكن تلوح في الأفق موجة من عمليات الإغلاق والإفلاس.
وأفاد محلل التكرير لدى مؤسسة “جولدمان ساكس” الأمريكية للخدمات المالية والاستثمارية، نيخيل بهانداري: “نحن نعتقد أن صناعة التكرير تدخل عصر الاندماج”.
وكانت قائمة أهم الأسماء في الصناعة، التي عالجت بشكل جماعي كميات من البترول تزيد قيمتها عن 2 تريليون دولار ، العام الماضي، تضم عمالقة منهم “إكسون موبيل” و “رويال داتش شل”.
وثمة أيضا عمالقة آسيويون منهم”سينوبك”، بالإضافة إلى كبار المستقلين كـ”ماراثون للبترول” و “فاليرو إنرجي”.
وبشكل عام، تكمن مشكلة مصافي التكرير، في الدواء الذي ينقذ صناعة البترول الأوسع نطاقا وهو ذاته الدواء الذي يؤثر عليها سلبا.
فربما تمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إنقاذ صناعة البترول الصخري الأمريكي في تكساس وأوكلاهوما ونورث داكوتا عندما انخرط في اتفاق خفض الإنتاج بين السعودية وروسيا وباقي تحالف الدول المصدرة للبترول “أوبك بلس” في أبريل.. إلا أنه ضغط بذلك على المصافي.
وتعتبر اقتصاديات المصفاة بسيطة في النهاية، فهي تزدهر بفارق السعر بين البترول الخام والوقود، مثل البنزين، وتحقق ربحا معروفا في الصناعة بهامش التكسير، وهو استراتيجية تداول مستخدمة في العقود الآجلة لإيضاح الاختلافات بين أسعار البترول الخام وأسعار المنتجات البترولية بالجملة.
وأدت تخفيضات الإنتاج القياسية، التي توسط فيها ترامب، إلى رفع أسعار البترول الخام، إذ ارتفع سعر خام برنت القياسي من 16 دولارا إلى 42 دولارا للبرميل في غضون بضعة أشهر، لكن أسعار البنزين والمنتجات المكررة الأخرى لم تتعافى بنفس القوة وسط استمرار ركود الطلب، وهو ما أضر بدوره بمصافي التكرير.
وعادة ما يكون فصل الصيف وقتا جيدا بالنسبة لمصافي التكرير، نظرا لارتفاع الطلب مع بدء المستهلكين التوجه لقضاء عطلاتهم.. لكن الوضع مختلف هذه المرة، فبعض المصانع تخسر بالفعل أموالها عند بدء معالجة براميل البترول الخام.
أسوأ المخاوف
قبل بضعة أسابيع فقط، بدا أن التوقعات تتحسن بالنسبة لأكبر مستهلكين للبترول في العالم،إذ عاد الطلب في الصين إلى مستويات ما قبل تفشي جائحة فيروس كورونا تقريبا وبدأ الاستهلاك الأمريكي في الانتعاش تدريجيا.
لكن الآن، دفعت موجة الإصابات الثانية بكين إلى الإغلاق، كما أن حالات الإصابة بالفيروس تتزايد في أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى.
وقال رئيس شركة “ليبو أويل أسوشيتس” في هيوستن، أندي ليبو، إن عودة ظهور الفيروس وسلسلة أخرى من عمليات الإغلاق في العالم، تعتبر أسوأ مخاوف صناعة التكرير، خصوصا أنها ستؤثر مرة أخرى بشكل كبير على الطلب.
وثمة مشكلة أخرى تتمثل في أن انتقاء الطلب الذي لم يكن متساويا من منتج مكرر إلى آخر، خلق صداعا كبيرا للمديرين التنفيذيين ممن هم بحاجة لاختيار أفضل أنواع البترول الخام للشراء والوقود المناسب للإنتاج.
وارتفع استهلاك البنزين والديزل، في بعض الحالات، إلى 90% من المستوى الطبيعي. لكن وقود الطائرات لا يزال منخفضا تقريبا في ظل عمليات الإغلاق، إذ يتراوح استهلاكه بين 10% إلى 20% فقط مقارنة بالمعدل الطبيعي في بعض الدول الأوروبية.
ومع ذلك، وجدت مصافي التكرير حلا للمشكلة من خلال مزج كثير من وقود الطائرات في الديزل بشكل فعال. لكن هذا الأمر يخلق بدوره تحديا جديدا، وهو كثير مما يسمى بالنواتج المقطرة الوسيطة، مثل الديزل وزيت التدفئة.
وفي عالم صناعة التكرير الأمريكية، تعدل الشركات معدلات المعالجة بشكل مستمر استجابة للتقلبات المحتملة في الطلب.
فعلى سبيل المثال خفضت مصفاة “فاليرو إنرجي” في تكساس معدلات التكرير إلى 70% تقريبا خلال فترة ذروة عمليات الإغلاق الأمريكية في أبريل الماضي، ثم رفعت النسبة إلى نحو 79% تحسبا لعطلة يوم الذكرى، قبل تسجيل انخفاض جديد بنسبة 62% بحلول منتصف يونيو الماضي.
وفي النهاية، إذا لم تجن مصافي التكرير الأموال، فإنها تشتري كميات أقل من البترول الخام، مما قد يحد من انتعاش أسعار البترول المسجل في الأشهر القليلة الماضية مقابل خام برنت والمعايير الأخرى.
ومع ذلك، تشير إجراءات السعودية وروسيا وبقية تحالف “أوبك بلس” إلى أن المصافي ستظل تعاني ضغوطا لفترة زمنية أطول، مع تجاوز أسعار البترول الانتعاش في أسعار الوقود.
وذكرت “بلومبرج” أن المشاكل الحالية تزداد سوءا على الاتجاهات طويلة المدى.
فربما تكون الصناعة أفرطت في التشييد خلال العقود الماضية، كما أن المصانع القديمة في أماكن منها أوروبا والولايات المتحدة، لا تستطيع منافسة المصانع الجديدة التي ظهرت في الصين وأماكن أخرى في العالم.
محفز للتغيير
تشير تقديرات “وود ماكينزي” إلى أن الضعف يعني أن الأرباح الإجمالية لصناعة التكرير- التي تضم 550 مصفاة حول العالم- ستنخفض إلى 40 مليار دولار فقط هذا العام، مقارنة بـ 130 مليار دولار في 2018، مما قد يكون حافزا للتغيير.
وذكر المحللون في “جولدمان ساكس” أن تأثر الطلب بتفشي الوباء لم يحدث أي تأخير في عدد من مشاريع التكرير الضخمة، التي يكمن معظمها في الصين والشرق الأوسط، والتي ستبدأ عملياتها بين عامي 2021 إلى 2024، مشيرين إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى انخفاض معدلات الاستفادة العالمية بنسبة 3% خلال هذه الفترة مقارنة بما كان عليه الوضع في عام 2019.
ومن المرجح أن تغلق المصانع في الدول المتقدمة أبوابها، نظرا لتواجد الجزء الأكبر من الطلب وقدرات التكرير الجديدة في الدول النامية.
كما أن العديد من مصافي التكرير التي تُشيد في الشرق الأوسط والصين، ستحصل على دعم الحكومة أيضا، وهي حقيقة تجعل الحياة أكثر صعوبة للمصانع في أوروبا والولايات المتحدة.