عندما لا تستمر الأشياء للأبد تتوقف، وهذا ما سيحدث لدعم الصين للدولار الأمريكي، وباع الأجانب أكثر من 500 مليار دولار من السندات الحكومية الأمريكية فى الربع الثاني، وربما ثلث هذه المبيعات جاء من مؤسسات صينية، وهو اتجاه يستحق المراقبة.
ومنذ عام 2001، عندما تم السماح للصين بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، لعبت الدولة دوراً كبيراً من وراء الكواليس لرفع قيمة العملة الأمريكية وخفض قيمة عائدات السندات الأمريكية، وفى عقدين من الزمان، ارتفعت حصة الصين من السيولة العالمية البالغة 140 تريليون دولار – التى يتم تعريفها كإجمالى المدخرات زائد الائتمان – من حوالى 6% إلى 25%، وتبيع الصين البضائع بالدولار الأمريكى وتستثمر بالدولار الأمريكية وتقوم بتدابير مالية ونقدية فى الوقت المناسب لمواجهة تعطش اقتصادها للدولار.
وكانت التدفقات الخارجة من الصين أكثر وضوحاً فى 2015-2016 عندما أدت حملة مناهضة للفساد من قبل الرئيس شى جين بينج إلى هروب رؤوس الأموال من الدولة، ما نتج عنه ارتفاع فى سعر الدولار وانهيار فى عائدات سندات الخزانة.
ولكن الأمر يذهب إلى أكثر من ذلك، ونحن نقدر أن أغلب الارتفاع بنسبة 30% فى العملة الأمريكية منذ منتصف الألفية الجديدة وحوالى 3 أرباع التراجع فى السندات الأمريكية يمكن أن يتم عزوها لتأثيرات الصين.
ورغم ذلك، فإن هذه المكاسب هشة، وبالنظر للمستقبل يمكن أن تنعكس هذه المكاسب سريعاً مع احتمالية فقدان الدولار ربع قيمته وارتفاع أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل مجدداً إلى مستوى 2%، أى تقريباً 3 أضعاف المستوى الحالي، وفى هذه الحالة، فإن الأسواق الأوروبية يمكن أن تكسب ما تفقده أمريكا.
وإذا كانت الصين سوف تعزز إمكاناتها على المدى البعيد، فهى تحتاج إلى خطاف الدولار لتصبح المصدّر لعملتها الخاصة، ولكن المشكلة الرئيسية للدولة هى أن أسواقها المالية المحلية أقل تطوراً من أن تتوسط التدفقات الرأسمالية العابرة للحدود، ولايزال الأجانب يتمتعون بدخول محدود لسندات الصين ولا يوجد سوق ائئتمان يقوم عل الرنيمبى للبنوك المحلية كما أن العملة نفسها غير متداولة على نطاق واسع خارج الصين.
وعلاوة على ذلك، تتردد المؤسسات الصينية المحلية فى تحمل مخاطر سعر صرف أجنبى بالنظر إلى أن أغلب التزاماتهم مقومة بالرنيمبي، وهو ما يجبر الحكومة الصينية أن تدير جميع الاحتياطيات الدولية عبر إدارة الدولة للصرف الأجنبى، والتى تحمل حالياً على الأقل تريليون دولار من سندات الخزانة الأمريكية الحساسة سياسياً.
ولكن، فى مواجهة التهديدات الغربية الأخيرة بالاحتواء الاقتصادى والصراع الطويل المحتمل حول التجارة ورأس المال والتكنولوجيا، فإن الصين لديها القدرة على قلقلة الأسواق.
والتحول عن الدولار الأمريكى – ولو جزئياً – يمكن أن يساعد اليورو، العملة رقم 2 فى العالم، ودعونا لا ننسى أن البنك المركزى الأوروبى الذى يتبع نهجاً تأكيدياً جديداً مستعداً لمضاهاة البنك الاحتياطى الفيدرالى فى توسعات الميزانية عبر برنامج الإغاثة من الوباء، وفى هذا السياق، فإن أى حافز لسحب هذه الأصول الصينية تجاه أوروبا يمكن أن يكون سبباً لخطط أوروبا لإصدار 750 مليار يورو، مما يعرف بسندات اليورو.
وعلاوة على ذلك، تستعد فرنسا لتعزيز إنفاقها المالى بمقدار 25% من الناتج المحلى الإجمالى عبر خفض الضرائب والمساعدات المالية، بينما تتطلع ألمانيا إلى زيادة فى الإنفاق بحوالى 45% بتمويل من مبيعات السندات، بمعنى آخر، لم تعد سندات الخزانة الأمريكية الأصل الآمن الوحيد فى المدينة.
وتعد الأصول الآمنة هامة لصحة النظام المالى العالمي، ورغم الجهود الكبيرة من قبل المشرعين لإجبار المؤسسات المالية على حمل محافظ استثمارية أكثر تحفظاً بعد الأزمة المالية العالمية فى 2008 -2009، فإن معروض هذه الأصول فى السنوات اللاحقة ارتفع بنسبة هزيلة عند 38%، وفقاً لحساباتنا.
والتهمت البنوك المركزية معظم هذا المعروض لتسهيل عمليات التيسير الكمى الخاصة بها، وتركت القطاع الخاص محروماً منها، وتعطشت أوروبا بشكل خاص لمثل هذه الأصول، وتسببت موجة خفض التصنيفات الائتمانية بعد أزمة البنوك فى 2010 وإصدار الحكومات لديون أقل، فى نقص المعروض الجديد من الأصول الآمنة بقدر كبير.
وكانت النتيجة، أن المعروض الأوروبى من أوراق الديون ذات التصنيف الائتمانى الممتاز انتصف من حوالى 40% من الناتج المحلى الإجمالى لمنطقة اليورو فى 2008 إلى 20% فقط العام الماضى.
ومما لا يثير الدهشة أن العديد من سندات منطقة اليورو انخفضت إلى المنطقة السلبية، بينما سعت رؤوس الأموال سريعة التحرك عبر الحدود بحماس وراء البدائل الأمريكية، ونحن نقدر أنه منذ الأزمة المالية العالمية أشبعت أسواق الديون الأمريكية الطلب العالمى على الأصول الآمنة الذى بلغ حوالى 50% من الناتج المحلى الإجمالى الأمريكي.
وإذا كنا محقين فى أن الصين ومنطقة اليورو سوف يشكلون فريقاً، فإن المستثمرين سوف يضغطون من أجل خفض قيمة الدولار الأمريكى ومن أجل تعافى أقوى من المتوقع لمنطقة اليورو والمزيد من المكاسب فى سوق الأسهم.
بقلم: مايكل هاول، كاتب مقالات رأى لدى “فاينانشال تايمز”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة “فاينانشال تايمز”.