ماجرينا: الأسمنت صناعة استراتيجية فى مصر وهناك شركات محلية وعالمية ضخت المليارات فيها
صناعة الأسمنت فى مصر تواجه عدة تحديات أهمها وجود فائض كبير فى الإنتاج يزيد على 30 مليون طن سنوياً، وفى الوقت نفسه، كان هناك انخفاض متتالى فى الطلب على الأسمنت فى السوق على مدى السنوات الأربع الماضية منذ عام 2016، حيث انخفض الطلب على الأسمنت منذ بداية العام الحالى وحتى الآن بنسبة %4.1، مقارنة بالعام الماضى، فى الوقت نفسه الذى شهد دخول المزيد من الطاقات الإنتاجية إلى السوق.
ويقول خوسيه ماريا ماجرينا الرئيس التنفيذى لشركة السويس للأسمنت، إن أسعار الأسمنت غير قادرة على تغطية تكاليف الإنتاج، وهو ما أدى إلى تكبد الكثير من الشركات خسائر مالية كبيرة، ويعتقد أن أصعب التحديات التى تواجه صناعة الأسمنت فى مصر هى الزيادة الكبيرة فى حجم المعروض من الأسمنت فى السوق.
وترافق ذلك، مع تراجع كبير فى الطلب على الأسمنت خلال السنوات الأربع الماضية، ولذلك، فهناك ارتفاع مفرط فى العرض للغاية من أجل البيع بغض النظر عن التكلفة، وحجم الطلب لا يتناسب مع تكاليف الإنتاج المرتفعة، وبالتالى، يتنافس الجميع ضد بعضهم البعض على سوق حجم طلبه أقل بكثير.
وقال فى حوار مع «البورصة»، أن أسعار الأسمنت فى مصر لا تغطى تكاليف الانتاج، وهو ما أدى إلى تكبد الكثير من الشركات خسائر، على سبيل المثال، تكبدت شركة السويس للأسمنت خسائر بلغت قيمتها 1.3 مليار جنيه منذ عامين ومليار جنيه خلال العام الماضى وكذا العام الحالى وهو أمر مثير للقلق من وجهة نظره، لكنه أضاف أنه بالرغم من ذلك فإن الشركة لديها مركز مالى قوى ومستدام لأن لديها شركاء متفهمون لطبيعة النشاط ويقدمون الدعم المالى للاستمرار.
ويرى أن السوق بحاجة الآن لتدخل حكومى: «أخشى أنه بدون تدخل الحكومة، فهناك شركات أخرى لن تقوى على البقاء والاستمرارية، وهو أمر غير عادل لأن هذه استثمارات يجب إنقاذها وهذا الوضع ليس فى صالح المستهلك».
أضاف: «أعتقد أن الحل فى يد الحكومة التى تمتلك الأدوات التى تستطيع فرضها على السوق، وفى رأيى فالحل ليس خفض التكاليف، ولكن يجب على الحكومة وضع خطة لترشيد السوق».
وعملت الشركات بالفعل على التواصل مع الحكومة خلال الفترة الماضية لمعالجة الأمر، وعقدت بعض الشركات اجتماعات مع قيادات حكومية على رأسهم رئيس الوزراء مصطفى مدبولى ووزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع لمناقشة مشاكل الصناعة، كما أطلقت تحذيرات مبكرة من الصعوبات التى باتت تواجهها فى السوق.
لكن ماجرينا يقول، إنه برغم توافر حسن النية، إلا أنه لم يحدث شيء على أرض الواقع حتى الآن: «نحن نعلم أن وزيرة التجارة والصناعة تعمل على هذه المسألة، ولكن لم يتضح الأمر بعد، أعنى أن الحكومة عليها أن تجد حلاً قابلاً للتطبيق على الجميع، وأن يكون هذا الحل عادلاً وتنفيذه إلزامياً».
أضاف: «يجب أن تكون الحكومة قوية فى اتخاذ قرار بشأن هذه الصناعة لأن المستقبل يزداد سوءاً، فالأسمنت سلعة استراتيجية وهناك شركات محلية وعالمية كبيرة قامت باستثمار المليارات فى صناعة الأسمنت المصرية».
وعن رؤيته للتعامل مع الأزمة، قال الرئيس التنفيذى لشركة السويس للأسمنت، إن الجميع متفقون على أن ما يدور حالياً فى القطاع ليس هو المثال الجيد الذى ترغب الحكومة أن تقدمه للمستثمرين المحليين والدوليين، فوجود قطاع مؤثر يخسر فيه الجميع استثماراتهم ويشتكون ليس هو الحل الصحيح.
أضاف أنه يجب على الحكومة فى إطار القانون أن تضع القواعد، التى تعمل على ترشيد السوق، بينما تضمن بقاء الشركات، حيث إن الأسعار الحالية لا تغطى تكاليف الإنتاج.
وشهدت السنوات الأخيرة دخول طاقات إنتاجية ضخمة للقطاع تابعة لجهات حكومية وهو ما ترك فاقم مشكلة الإنتاج فى القطاع، ومؤخراً اتخذت الحكومة قرارات للسيطرة على تجاوزات البناء أهمها وقف التراخيص على مستوى الجمهورية باستثناء مناطق معينة، ويعتقد ماجرينا أن هذا القرار له تأثير سلبى كبير على صناعة الأسمنت فى مصر «فى الحقيقة، كان تأثيره مدمراً».
وقال إنه يؤيد حق الحكومة فى تنظيم عمليات البناء ووقف البناء غير القانونى، لكن فى الوقت الذى يتعين فيه فعل شىء ما للتعامل مع هذه المسألة، كان من الواجب طرح القرار بشكل تدريجى وأكثر إيضاحاً الآن، حتى الذين يبنون بطرق شرعية يثيرهم القلق وأوقفوا البناء، فقد أخاف القرار المقاولين القانونيين وخلق المزيد من العقبات أمام قطاع التشييد».
وعن دور العاصمة الإدارية الجديدة فى دعم أعمال شركة السويس للأسمنت، خاصة وأنها من كبار الموردين، قال الرئيس التنفيذى للشركة، إن العاصمة الإدارية الجديدة واحدة من أكبر شركائهم فى قطاع البناء، وقرب مصنع الشركة منها يجعلها أحد الموردين الرئيسيين لها، ومع ذلك، فقد انخفضت المبيعات للعملاء الآخرين بشكل سنوى، حيث انخفضت المبيعات بنسبة %5 فى السنة المالية 2018-2019 وحوالى %6 فى السنة المالية 2019-2020، وبشكل عام، فقد عانت الشركة من تراجع الطلب فى السوق، وبالتالى، انخفضت مبيعات الشركة خلال السنوات الماضية.
أضاف: «على الرغم من أن العاصمة الإدارية الجديدة مشروع كبير جداً، إلا أنه فى النهاية لم يعوض الانخفاض فى أنشطة البناء التى تم إيقافها».
الحكومة لديها الحق فى تنظيم عمليات البناء ووقف غير القانونى وكان من الواجب طرح القرار تدريجيًا
وعن إمكانية البحث عن أسواق خارجية لتعويض تراجع الطلب المحلى والاستعانة ببرامج دعم الصادرات فى هذا الصدد، قال ماجرينا إن هناك مشكلة مصداقية فيما يتعلق بدعم الصادرات: «قدمنا طلبات دعم لعمليات الشحن المنفذة على مدار العامين والنصف الماضيين ولم نتلق رداً حتى الآن، وفى الشكل الحالى لصندوق دعم الصادرات وحتى يتم دفع المتأخرات، سيكون من الصعب الاعتماد على دعم الصادرات فى توجيه إنتاجنا نحو التصدير».
أضاف أن دعم الصادرات ليس حلاً على وجه الخصوص فى قطاع الأسمنت، حيث توجد زيادة كبيرة فى العرض فى البلدان المجاورة لمصر والتى لديها تكاليف انتاج أقل.
وقال: «إذا كانت الحكومة ستقدم دعماً للتصدير، فسيكون هذه الدعم للموجودين فى هذه البلدان المستوردة وليس لشركات الأسمنت فى مصر، ومع ذلك، فالأسمنت كسلعة ثقيلة يجب أن يباع محلياً أولاً».
وعن إمكانية لجوء الشركات للاندماج لمواجهة تحديات السوق قال إنه من المحتمل أن تقع بعض الشركات فى دوامة الإفلاس وتخرج على إثرها من السوق، ومثال على ذلك شركة القومية للأسمنت، كما أن إحدى الشركات فى صعيد مصر قد أوقفت عملياتها تماماً، وهناك أربع شركات أخرى تعانى الكثير من المشاكل، وأغلقت شركة السويس للأسمنت شركة أسمنت طره التبعة بشكل مؤقت وللأسف خرج الموظفين والعمال.
أضاف أنه يعتقد أن الوضع الحالى غير واضح بالنسبة لعمليات الاندماج للمنافسين فى سوق الأسمنت، حيث إنه من الصعب توفير النقدية المطلوبة لشراء أحد المنافسين، ولذلك فليس من المحتمل أن يستثمر أحد فى عمليات الاندماج والاستحواذ فى الوقت الذى قد تبنى فيه الحكومة غداً مصنعاً أخر، ومن هنا فالقطاع بحاجة إلى مزيدا من الاستقرار والوضوح.
وعن حجم أصول الشركة، قال: «وفقاً لبورصة الأوراق المالية، بلغت القيمة السوقية للشركة حوالى 80 مليون دولار، ونمتلك أصولاً تبلغ قيمتها حوالى مليار دولار فى مصانعنا الأربعة، وحاليا تبلغ قيمتها السوقية 80 مليون دولار، هل تتخيلى ذلك؟!
أضاف أن الشركة أطلقت العام الماضى منتجاً جديداً، CEM III، وهو نوع من الأسمنت أكثر تحملاً ومقاومة للكبريتات والكلوريدات، ويستخدم بشكل خاص فى مشروعات مدينة العلمين الجديدة وأنفاق سيناء-قناة السويس.
وعن أرض طره التى تسعى الشركة لبيعها بعد تغيير نشاطها، قال ماجرينا إن المسألة معقدة وأرسلنا كثيراً من الخطابات إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولى وإلى وزارة الإسكان وغيرها من الهيئات، ولم نحصل سوى على ردود قليلة جداً».
أضاف: «عرضنا على الحكومة أن قد تصبح شريكة لنا بدون أى أعباء مالية وأن تستفيد من هذا المشروع على أساس تحقيق الفائدة للطرفين، ولكننا فى هذه المرحلة منذ 5 أعوام بلا جدوى».
وقال إنه علاوة على ذلك، فقد تسببت جائحة كورونا فى إبطاء كل شيء بصورة كبيرة: «أخشى أن يصبح الحل الأوحد أمامنا، أخذاً فى الاعتبار وضع السوق، هو بيع الأرض على حالتها الحالية كأرض صناعية، حيث إننا الآن فى أمس الحاجة إلى السيولة النقدية المال للاستمرارية».
وعن سعى الشركة لبيع حصتها فى شركة أسمنت الهلال، قال ماجرينا: «كان لدينا جهة مهتمة بالشراء، ولكن لم تكتمل الصفقة، والآن، نسعى لاستقرار حصتنا وتعزيزها والحفاظ على عمليات الشركة».
كتبت- نيفين كامل