تكاليف مجابهة الوباء فى الهند وبولندا وقطر تلتهم 10% من الناتج المحلى
مدير العولمة فى “أونكتاد”: “نكافح لتصور ما سيحدث العام المقبل.. والأسوأ لم يأت”
حذر محللون، من احتمالية مواجهة بعض أكبر الاقتصادات النامية في العالم، أزمة مالية خلال السنوات المقبلة، ما لم تتمكن من التراجع عن الزيادات الكبيرة في الإنفاق العام التي فُرضت ضمن خطوة هدفها الاستجابة السريعة لتفشي وباء كورونا المميت.
وتسبب الانكماش الاقتصادي الناجم عن الوباء، بجانب ارتفاع الإنفاق على الرعاية الصحية لمعالجة تفشي الفيروس، في ارتفاع عجز موازنات العديد من الدول.. لذا سيتعين على تلك الدول مواجهة خيار مخاطر الاضطرابات العامة من خلال تقليص الإنفاق أو التفاوض مع المستثمرين لإعادة هيكلة ديونهم، وفقاً لصحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وفي المتوسط، أعلنت الاقتصادات الناشئة والنامية عن حزم دعم تقدر نسبتها بـ 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً للأرقام التي نشرها البنك الدولي الشهر الماضي.
وفي بعض الدول، بما في ذلك الهند وماليزيا وبولندا وقطر وجنوب أفريقيا وتايلاند، ارتفع الإنفاق العام المرتبط بالوباء إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح البنك الدولي، أن الاقتصادات المعتمدة على السياحة ومنتجي السلع الأساسية الكبار معرضون للخطر بشكل خاص.
وحذر البنك من وصول الديون الحكومية عبر الاقتصادات الناشئة والنامية إلى 51% من الناتج المحلي الإجمالى، كما أن العديد من الدول، التي كانت تتمتع بفائض في السابق، سجلت عجزاً في السنوات الأخيرة، مما ترك مساحة محدودة للإنفاق الإضافي.
وفي المراحل الأولى من الوباء، حذر صندوق النقد الدولي من حاجة الدول الناشئة والنامية إلى دعم مالي لا يقل عن 2.5 تريليون دولار خلال الأزمة، من أجل الإنفاق على الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي.
ولكن هذا الرقم يُنظر إليه على نطاق واسع الآن بأنه تقدير أقل من الواقع، إذ تشير أحدث توقعات الصندوق إلى أن الاقتصاد العالمي سيعاني خسارة تراكمية في الناتج تقدر بـ 12.5 تريليون دولار في عامي 2020 و2021، وستكون غالبية الخسائر في الدول النامية.
ونتيجة للضغوط على المالية العامة، يمكن أن يتعرض ما يصل إلى 37% من السندات، في مؤشر “جي.بي مورجان” القياسي للديون الخارجية السيادية في الأسواق الناشئة، لخطر التعثر في السداد في العام المقبل أو ما إلى ذلك، وفقاً لآدم وولف من شركة “أبسلوت استراتيجي ريسيرش”.
ويعتقد وولف، أن مصر وزامبيا وغانا هي الدول الأكثر عرضة للخطر، في حين تواجه الاقتصادات الكبرى، مثل جنوب أفريقيا والهند ونيجيريا والبرازيل، مستويات عالية من المخاطر، كما أن تركيا وإندونيسيا والمكسيك لا تختلف كثيراً عن الركب.
ووفقاً لمؤسسة “أوكسفورد إيكونوميكس” البحثية، قد يرتفع عجز الموازنة في البرازيل وجنوب أفريقيا هذا العام بما يتجاوز 15% من الناتج المحلي الإجمالي.
وعلاوة على ذلك، حذرت المؤسسة من أن الحاجة إلى إعادة تمويل الديون المستحقة ستدفع متطلبات الاقتراض على مدار العام إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
قال الاقتصادي في شئون الأسواق الناشئة لدى مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس”، ويليام جاكسون، إن البرازيل ستحتاج إلى ضبط نفقاتها أو رفع ضرائبها بنسبة تتراوح بين 6% و7% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً لعدة سنوات، من أجل إبقاء الدين عند مستوى يقل عن 100% من الناتج المحلي الإجمالي، مشيراً إلى أن ثمة دول أخرى، منها جنوب أفريقيا والمكسيك، واجهت مشكلات مماثلة.
وأضاف جاكسون، أن عدداً كبيراً للغاية من الأسواق الناشئة يواجه مشاكل خطيرة للغاية، وحتى الآن، تمكنت العديد من الحكومات من تمويل ديونها المتزايدة في أسواق السندات، بفضل زيادة السيولة في الأسواق المالية العالمية والموارد المالية واسعة النطاق للمستثمرين المحليين.
وذكرت “فاينانشيال تايمز”، أن تريليونات الدولارات من الحوافز، التي ضختها البنوك المركزية في الأسواق المالية التابعة للاقتصادات المتقدمة، تدفقت جزئياً إلى الاقتصادات الناشئة، مما ساعد على عكس التدفقات الهائلة التي نتجت خلال المراحل الأولى من الأزمة.
وأوضح معهد التمويل الدولي، أنه في الوقت الذي غادر فيه ما يصل إلى 33.5 مليار دولار من أسواق السندات الناشئة في مارس الماضي، تدفق نحو 50 مليار دولار مرة أخرى، مشيراً إلى أن حكومات الاقتصادات النامية جمعت نحو 90 مليار دولار في أسواق السندات الدولية منذ بداية أبريل الماضي.
ورغم أن تدفقات رأس المال ساعدت في تخفيف الوضع المالي المباشر للدول، إلا أنها خفضت أيضاً الضغوط لإيجاد حلول طويلة الأجل، في حين تفاقمت مشاكل ميزانيتها المستقبلية عن طريق زيادة تكاليف فوائد الديون ودفعات السداد.
وقدم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تمويلاً طارئاً لمساعدة أفقر دول العالم على مواجهة الأزمة، ووافقت الدول الأعضاء في مجموعة العشرين في بداية العام على وقف سداد الديون بالنسبة لتلك الدول، لكن المنتقدون يقولون إن التركيز على ديون الدول الفقيرة شتت الانتباه بعيداً عن الاحتياجات المالية للدول متوسطة الدخل.
كما أن قمة وزراء مالية مجموعة العشرين، التي عقدت قبل بضعة أيام، لم تسفر عن أي تقدم رئيسي آخر في مناقشة كيفية المضي قدماً في تخفيف الديون على نطاق أوسع، رغم الدعوات المتزايدة لاتخاذ إجراءات.
وحذر بعض المحللين من أن حجم الضربة الاقتصادية للدول متوسطة الدخل لم يحظ بتقدير واسع النطاق حتى الآن.
وقال مدير العولمة واستراتيجيات التنمية في وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، ريتشارد كوزول رايت :”إننا نكافح لتصور ما سيحدث العام المقبل، فنحن أقل تفاؤلاً بشأن الانتعاش الذي يتخذ شكل حرف V، مقارنة بما يقوله بعض الأفراد”، مشيراً إلى أن الأسوأ لم يأت بعد بالنسبة للدول النامية.