يشهد القطاع الصحي المصري حراكا استثماريا كبيرا خلال السنوات الأخيرة مدفوعا بدخول كيانات عربية جديدة للسوق المحلي وتنفيذ العديد من عمليات الاندماج والاستحواذ وتغيير فكر الجيل الثاني من ملاك الكيانات العائلية نحو النمو غير التقليدي عبر الشراكات مع المؤسسات المحلية والأجنبية وصناديق الاستثمار العالمية، ونظمت شركة تشاور للاستشارات، منتصف الأسبوع الجاري، منتدى افتراضي لمناقشة استراتيجيات نمو الكيانات الخاصة بالقطاع الصحي المصري.
وضم المنتدى فريقين، يمثل أحدهما وجهة نظر تتبنى التطور من خلال النمو التقليدي، والآخر يحمل وجهة نظر أخرى تميل للنمو غير التقليدي عبر عمليات الاستحواذ والاندماج.
وقال خالد سمير، خبير الاستثمار الصحي ورئيس مجلس إدارة شركة تشاور، إن المفهوم الحقيقي لنمو المؤسسات يشمل عدة اتجاهات وليس في زيادة الفروع فقط والذي يسمى بالنمو الأفقي، حيث إن هناك أيضا النمو الرأسي والذي يتضمن التوسع في الخدمات وضم الموردين أو الموزعين وهو ما يمكن أن يتحقق بالدمج بين النمو الطبيعي المبنى على الاستثمارات المباشرة والنمو الاستراتيجي المبنى على الاندماجات والاستحواذات.
وأضاف سمير أنه يمكن للمؤسسات اذا قامت بتحليل وضع السوق الذي تستهدفه بشكل دقيق وعميق، أن تحدد السياسات الأنسب للنمو سواء بافتتاح العديد من الفروع أو التعاون مع الكيانات التي تسبقها في سلسلة القيمة المضافة للعميل مثل شركات التأمين او التي توفر لها عناصر تقديم الخدمة مثل شركات نظم المعلومات والمستهلكات الطبية من اجل تصميم شركة واحدة تضم أكبر قيمة ممكنة وتوفر القدرات المؤسسية الفائقة التي تسمح لها بالمنافسة.
وقالت غادة الجنزوري، عضو مجلس إدارة مستشفى الجنزوري، إن %3 فقط من المستشفيات العائلية تستمر إلى الجيل الثالث ويعود ذلك بشكل رئيسي إلي الخطأ المتكرر في الاعتماد على أفراد العائلة فقط في إدارة المؤسسة دون الاستعانة بالخبرات الخارجية خاصة أن الأجيال المتتالية قد تكون لها اهتمامات شخصية أخرى في مشاريع خارج النشاط الأساسي.
وبحسب الجنزوري فإن أهم عوامل نجاح واستمرار المؤسسات العائلية الاستثمار في الحوكمة وضبط الصلاحيات والمسئوليات بشكل كامل وفصل دور الأفراد في الأسرة عن دورهم في المؤسسة والاستثمار في تدريب الأشخاص الأساسيين بشكل متكامل ومستمر على مهام مجلس الإدارة والمهارات الإدارية الرئيسية ويأتي ذلك بالاستعانة بالخبراء وشركات الاستشارات في كافة المجالات التي تفتقر المؤسسة للخبرات فيها.
وقال جمال الخطيب، خبير التطوير المؤسسي والشريك المؤسس في شركة تشاور، إن الدراسات التي تمت على الشركات التي خاضت تجارب الدمج والاستحواذ في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الماضية أظهرت أن تلك العمليات ساهمت في زيادة حجم السوق وتحسين كفاءة التشغيل بالمؤسسات الصحية.
وأوضح الخطيب أن هذا النوع من النمو يتسم بالزيادة السريعة في أعداد الأطباء والموظفين والمديرين في المؤسسة الجديدة ما يستدعي إعادة هيكلة مجلس الإدارة بشكل فعال يتناسب مع الوضع الجديد للمؤسسة.
وقال محمد أبو المعاطي، خبير تقييم المؤسسات والمدير العام لشركة كويست للاستشارات، إن من أهم عناصر نجاح عمليات الدمج والاستحواذ توفر كافة المعلومات المالية والقانونية عن الطرفين بشكل واضح قبل إجراء عملية الدمج، إذ أن وضوح الرؤية يضمن توقعات علمية وواقعية من جميع الأطراف ويمنع اختلاف وجهات النظر بعد الدمج.
ووفقا لأبو المعاطي فإن الفائدة الحقيقية من النمو عن طريق الدمج والاستحواذ يأتي من الاستغلال الأفضل للقدرة التشغيلية للمؤسسة من خلال إضافة خدمات أكثر وزيادة فعالية أنشطة التسويق وتقليل المصروفات بالشراء المجمع وإعادة هيكلة الإدارة المالية والمؤسسية بما يضمن تخطيط مالي أفضل على المدى الطويل.
وقال محمد أبوشادي، استشاري تطوير الأعمال والتسويق الاستراتيجي والشريك المؤسس لشركة تشاور، إن عمليات الدمج والاستحواذ تمثل بداية جديدة للمؤسسات وليس نهاية لرحلة الاستثمار بها حيث إن دمج المؤسسات يسمح بإعادة هيكلة أنشطتها التسويقية وزيادة حجم السوق المستهدف وتقديم خدمات جديدة خاصة إذا كانت عمليات الدمج تمت بشكل استراتيجي بين كيانين يقدمان خدمات مختلفة ومتكاملة.
وأوضح أبوشادي أن قسم التسويق في الكيان الجديد يكون أمامه العديد من التحديات التي لا توجد قواعد واضحة للتعامل معها تتمثل في إعادة هيكلة وتصنيف الخدمات المقدمة بشكل كامل وتوحيد الهوية المؤسسية و التسويقية للكيانات المندمجة وتحديد السياسة الأنسب للتعامل مع العلامات التجارية الحالية والتوفيق بين السياسات السعرية الخاصة بكل كيان منها من أجل ضمان الاستحواذ علي أكبر شريحة ممكنة من السوق.
وقال عماد شنودة، عضو مجلس إدارة غرفة مقدمي خدمات الرعاية الصحية والمدير العام لمستشفى السلام بالمهندسين، إن الاستثمارات الصحية التي تتبنى إنشاء المستشفيات من البداية توفر الفرصة لبناء المستشفي بشكل مناسب لرؤية المؤسسين ويضمن بناء ثقافة خاصة بالمكان.
وأضاف شنودة أنه لابد أن يتسم تصميم المستشفيات التي تبنى من البداية بالرؤية البعيدة المبنية على دراسات دقيقة والخطط طويلة المدى حيث أن متوسط مدة مرحلة تأسيس المستشفى تصل إلى خمس سنوات.
وقال أحمد عبد القادر فهمى، رئيس مجلس إدارة مستشفى عبد القادر فهمى، إن إحدى النقاط المهمة في استمرار المستشفيات العائلية تتركز في إعداد الجيل الثاني لاستكمال الرحلة.
وأوضح فهمى أن المستشفيات العائلية تقدم بعدا مميزا للخدمة يقدره المريض المصرى وهو العلاقة الشخصية مع الطبيب والاهتمام العالي وهي مميزات لا توفرها المستشفيات التي بنيت بالكامل بمفهوم استثماري ولذلك فالمستشفيات العائلية لديها نوعين من العملاء؛ المرضى والأطباء وهو ما يسمح لها بانتشار أسرع، ولكن يأتي في مقابل هذا الدمج بين سمعة المستشفى وسمعة العائلة حيث إن أي خطأ طبي قد يكون له تأثير مباشر على العائلة.
وناقش خليل عبد الخالق، استشاري ريادة الأعمال والشريك المؤسس في شركة تشاور، التطور الذي حدث في سوق الخدمة الطبية في مرحلة الكورونا من تحول مقدمي الخدمة نحو الرعاية المنزلية حيث مثل هذا التحول رد فعل مرن وذكي من المستشفيات والمؤسسات الصحية لإعادة توزيع القوى البشرية الخاصة بها بدلا من تسريح العمالة وليس نموا في الخدمات حيث إن قطاع الرعاية الصحية عاني من انخفاض كبير في الأداء عكس ما توقعه معظم المتابعين من خارج القطاع.