أوضحت البيانات الصادرة الأسبوع الماضي، ثلاثة تطورات تسلط الضوء على حاجة الولايات المتحدة لاسئناف إعادة فتح الاقتصاد بطريقة صحية وهي ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بشكل مقلق بفيروس “كوفيد 19” في عدد متزايد من الولايات، والمخاطر الواضحة والقائمة التي تتعلق بإحداث ضرر شديد في الاقتصاد، والتطور الأخير هو الاحتمالية الكبيرة للتحول في مسار أول تطورين سريعا.
وما نرغب في تحقيقه ممكن، رغم أن نافذة تجنب مزيد من الأضرار الكبيرة قصيرة وطويلة الأجل للاقتصاد، تنغلق في غياب تدابير الإغاثة والإصلاح الحكومية السريعة والأكثر أهمية من ذلك التغيرات في سلوك المستهلكين.
ومع وصول عدد حالات الإصابة لأرقام قياسية في بعض الولايات، يخسر عدد متزايد من الأمريكيين حياتهم بسبب فيروس يواصل التفشي على المستوى الوطني.
وعلاوة على ذلك، تظهر البيانات أن العائلات من القطاعات الأكثر تضررا من السكان والتي تواجه أحوال دخل خطيرة أو عرضة للظلم الاجتماعي، أو كلاهما، أصبحت تشكل حصة متزايدة من الألم والمعاناة.
ومع مواصلة الفيروس التحرك جغرافيا يؤثر على بعض الولايات التي كانت حالات الإصابة فيها منخفضة حتى الآن وغيرها من الولايات التي تخطت الموجة الأولى بشكل مبهر، ثمة شكوك متزايدة بشأن القدرة على عزل وحماية بشكل فعال الأجزاء الأقل تأثرا في الدولة.
وكان الدمار الاقتصادي واضحا أيضا الأسبوع الماضي، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي للدولة على أساس سنوي بمقدار مذهل يبلغ الثلث في الربع الثاني.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن التعافي المأمول على شكل حرف “V” يتعثر بالنظر إلى ارتفاع مطالبات البطالة الأسبوعية، واستقرار أو تراجع مجموعة من المؤشرات التي يتم تتبعها عن كثب عن النشاط الاقتصادي اليومي.
ومع ذلك، لم تكن جميع البيانات التي صدرت الأسبوع الماضي تومض باللون الأصفر والاحمر، وتشير بيانات الإنفاق الاستهلاكي في يونيو بشكل خاص إلى إمكانية التعافي السريع للاقتصاد الأمريكي في حال إعادة الفتح بطريقة صحية، أي تحقيق تقدم متزامن في السيطرة على الفيروس وزيادة التفاعلات الاقتصادية، حتى يتم الجمع بين مصل فعال ومناعة مجتمعية.
وهذه العملية من شأنها وقف الضرر المتزايد والآليات غير المستقرة والتأرجح بين إعادة الفتح المبكرة التي تكون غير صحية وغير مستدامة من ناحية وبين القيود على النشاط الاقتصادي من الناحية الأخرى.
فبينما تقلل مخاطر العدوى، تزيد مخاطر الدمار الاقتصادي للناس وتزيد تهديدات “قتل النفس بدافع اليأس” كما وثقها الاقتصاديان آن كايس وأنجوس ديتون.
وتتمثل الأنباء السيئة في أنه كلما استمرت هذه التأرجحات بالطريقة نفسها، ازداد الضرر لحيوات ومعايش الأشخاص على المديين القصير والبعيد.
وعلى المدى القصير ستتسبب في الكثير جدا من حالات الدخول للمستشفيات وحالات الوفاة والإفلاسات والطرد من الشقق السكنية المستأجرة، بجانب زيادة مخاطر إدمان الخمور والمخدرات والعنف المنزلي والانتحار.
وعلى المدى الأبعد، سيكون الأمر الأكثر عرضة للخطر هو قدرة عدد متزايد من الأمريكيين على عيش حياة صحية وقدرة عدد متزايد من الأسر على توفير مستوى معيشة أفضل لهذا الجيل والجيل القادم.
أما الأنباء الجيدة، هي أن الحكومة الأمريكية إذا تصرفت بشكل تعاوني ومتواصل مع الأسر والشركات، يمكن أن تحقق أهداف اقتصادية وصحية أفضل، رغم أنها لن تكون مثالية على الأقل في الوقت الحالي.
وكما أشرت في مقالاتي السابقة على وكالة أنباء “بلومبرج”، لدى الكونجرس دور مُلح يلعبه لحماية المعايش الاقتصادية وتحسين قدرة الدولة على السيطرة على الفيروس، حماية أفضل حتى يتم تحقيق نوع من المناعة المجتمعية والتي يفضل تحقيقها عبر التوصل السريع لمصل.
ورغم أن التحركات الحكومية ضرورية، إلا أنها لن تكون كافية إلا إذا قام القطاع الخاص بوظيفة أفضل في تقليص تعرضنا الجماعي للعدوى.
ولا يزال الكثير جدا من الأشخاص يتجاهلون التغيرات البسيطة للسلوكيات التي يمكن أن تقلص مخاطر العدوى مثل ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي وغسل اليدين باستمرار.
والأكثر فاعلية من ذلك الرسائل الموثوقة والمستمرة من الشركات والوكالات الحكومية من جميع المستويات التي من شأنها المساعدة في ذلك بجانب مزيد من الانخراط من قبل الأشخاص المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وثمة حاجة ملحة بأن يقوم الأفراد بإدراك كيف تؤثر سلوكياتهم على المجتمع عموما، وهذا أصبح واضحا مع ازدياد أعداد المصابين من الشباب الأمريكيين ونقلهم للعدوى للأكبر سنا، خاصة في الأسر متعددة الأجيال.
ولن يؤدي أيا من ذلك سريعا، إلى أمريكا خالية من “كوفيد 19” تتمتع بتفاعلات اقتصادية طبيعية. ومن المرجح أن تظل التفشيات في الظهور خصوصا بالنظر لما نتعمله يوميا مما يحدث في بعض الدول في آسيا وأوروبا، ولكن هذه التفشيات يمكن احتوائها سريعا من خلال حلول اقتصادية متوافقة مع الصحة من خلال مزيج سريع من احتواء الفيروس واستئصاله، بالإضافة إلى تعزيز القدرات الاستيعابية للمستشفيات.
ولم يفت الأوان بعد لإحراز تقدم كبير في السيطرة على الفيروس، بما يتيح تفاعلات اقتصادية أكبر ويؤمن الرفاهية الاقتصادية والاستدامة على المدى الطويل، ولكن ذلك سيتطلب مجهودات أفضل على جميع المستويات.. والساعة تدق.
بقلم: محمد العريان، المستشار الاقتصادي لمجموعتي “أليانز”، و”جرامسري”، رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”