تربية الأبقار والجاموس لا تزال هى السمة المسيطرة على المجتمع الريفى، ولا يكاد يخلو بيت فلاح داخل القرية المصرية منهما، كونهما مصدر غذاء رئيسياً لأسر الفلاحين.
ويبذل الفلاحون، جهداً كبيراً فى تربية الماشية، لأنه مصدر دخل لا يمكن تجاهله.
فى قرية بنى بكار، التابعة لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، يستيقظ أغلب سكانها مع بزوغ كل فجر جديد ليبدأوا عملهم الروتينى، وهو خدمة قطعانهم المتواضعة من الماشية، وبعدها بقليل يبدأ تجار الألبان (السريحة) فى الجمع من صغار المنتجين ثم تسليمه إلى سيارات التبريد ومنها إلى معامل الألبان.
وبحسب دراسة أعدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، فإنَّ مصر يوجد بها ثلاثة أنواع من منتجى الألبان هم صغار المزارعين، والحظائر التجارية، وكبار مزارع المواشى.
وحددت الدراسة عدد الأبقار الذى يمتلكها صغار المزارعين، والتى تتراوح بين بقرة و20 بقرة، ووصفتهم بأنهم المورد التقليدى للألبان فى مصر لأنهم مسئولون عن إنتاج نحو 70% من الألبان.
قال محمد عوض، مربٍ من قرية بنى بكار، إنَّ أغلب سكان القرية يعتمدون على تربية الماشية لاعتبارها مصدراً أساسياً للدخل، فضلاً عن إقامتهم مشروعات خدمية أخرى لرعايتها وتوفير احتياجاتها مثل محال الأعلاف، والعيادات البيطرية، ومحال أخرى لبيع أجهزة الحلب.
أضاف أن ارتفاع أسعار الأعلاف خلال السنوات الماضية من أبرز المشكلات التى تقف وراء تراجع إنتاجية الألبان لدى صغار المنتجين، لأن أغلبهم اتجه إلى تقليل أعداد رؤوس الماشية.
فلم يعد هناك توازن بين الدخل والإنفاق فى ظل تعدد الأولويات الضرورية للأسر.
ولفت «عوض» إلى أنه كان يمتلك 5 أبقار حلابة قبل عامين. لكن ارتفاع التكاليف مع انخفاض أسعار الألبان دفعه إلى بيع 3 بقرات والإبقاء على اثنتين حتى يتمكن من رعايتهما.
وقدَّر «عوض» حجم المصروفات الأسبوعية لبقرتين بنحو 300 جنيه فى حين تتراوح دخولهما مقابل بيع الألبان بين 450 و500 جنيه أسبوعياً، وهو ما يعتبر ربحاً غير مجزٍ، مقارنة بفترة ما قبل 2016 وقرار الحكومة رفع أسعار بعض السلع والإبقاء على سلع أخرى.
وتستخدم الذرة الصفراء وفول الصويا فى إنتاج أعلاف الثروة الحيوانية مع بعض الإضافات الأخرى، وتصل نسبة الأولى لنحو 59% والثانية نحو 19%، والنسبة المتبقية للإضافات الأخرى، وفقاً لتقديرات وزارة الزراعة الأمريكية.
وتراوح سعر الذرة الصفراء خلال الأيام الأخيرة بين 3100 و3300 جنيه للطن، لكن التوقعات ومؤشرات السوق تتجه نحو ارتفاعه مرة أخرى، فى حين تبلغ أسعار الصويا (بروتين 46%) نحو 6100 جنيه للطن.
وقال أحمد سمير، صاحب مزرعة للأبقار، إن محافظة كفر الشيخ تفتقر إلى سلالات الأبقار الجيدة الأكثر ادراراً للألبان.. وبالتالى فإنَّ إنتاجية أى مزرعة مصرية تعادل 50% من إنتاجية المزارع فى الدول الأجنبية، وهذه واحد من أكبر التحديات التى تواجه صناعة إنتاج الألبان.
ويمتلك سمير مزرعة على مساحة فدان بها 20 بقرة حلاب، ويدرس إنشاء معمل لتصنيع الألبان لتعظيم القيمة المضافة، بدلاً من بيع الألبان فى صورتها الأولية، وبالتالى يعظم من هامش الربح الذى لا يتجاوز 5% حالياً.
واعتبر أن إنتاج الألبان غير مربح الفترة الحالية مقارنة بالسنوات الماضية؛ بسبب ارتفاع مدخلات الإنتاج وضعف الرعاية الطبية، مطالباً الحكومة بدعم صغار المنتجين عن طريق خفض أسعار الأعلاف وتحسين سلالات الأبقار حتى يتمكنوا من تغطية تكاليف الإنتاج.
وأشار إلى أن مصر قادرة على تلبية جميع احتياجاتها من منتجات الألبان، خصوصاً لبن البودرة.. لكنها تحتاج إلى استراتيجية جديدة بحيث يكون أساسها صغار المنتجين، ومن ثم إنشاء مصانع تعزز القيمة المضافة لتلك المنتجات بدلاً من تصديرها فى صورتها الأولية أو نصف المصنعة.
وتتميز صناعة الألبان بالترابط القوى مع عدد من القطاعات وسلاسل القيمة الأخرى وهى الزراعة وصناعات اللحوم المصنعة ومكسبات الطعم والجلود والغراء والطاقة.
كما تعتبر منتجات الألبان من المنتجات التصديرية المهمة، وتشكل ثانى منتج تصديرى فى الصناعات الغذائية بعد المحضرات من الخضروات والفواكه.
ومثلت صناعة منتجات الألبان 14% من إجمالى صادرات الصناعات الغذائية العام الماضى.
وقال نور عبدالرحمن، مربى ماشية، إن صغار المنتجين يعملون بشكل عشوائى ودون توجيه من الحكومة.. لذلك فإن العائد المالى من إنتاج الألبان يغطى بالكاد مصروفاتهم من الأكل والشرب ولا يتعدى كونه مصدر دخل تقليدياً.
وأضاف أن رأسمال الفلاح أو المزارع هو عدد المواشى التى يمتلكها سواء أبقاراً أو عجول تسمين.
ومحافظة كفر الشيخ من المحافظات التى يعتمد اقتصادها على الزراعة والثروة الحيوانية.. لذلك لا بد من استغلال مواردها وتنميتها بدلاً من تركها للعشوائية.
وذكر أنه يمتلك ثلاث أبقار حلاب، يتراوح إنتاج الواحدة بين 12 و15 كيلو جراماً يومياً، موضحاً أن التفاوت فى الإنتاج يرجع إلى طبيعة أكل الحيوانات ونسبة البروتين.
وأشار نور، إلى أن صغار المنتجين تواجههم مشكلات كبيرة فى الوقت الحالى بسبب تفشى مرض الجلد العقدى، الأمر الذى يتسبب فى خسائر فادحة قد تؤدى إلى نفوق الحيوان، لذلك يجب على الحكومة تفعيل دور الوحدات البيطرية لمكافحة هذا المرض بدلاً من تغوله وحصده آلاف المواشى.
وأكد أن الفلاحين والمزارعين هم أساس انتاج الألبان فى مصر، وعدم دعمهم خلال الفترة الفترة المقبلة سيتسبب فى ضياع المنظومة، وستضطر الدولة إلى الاستيراد رغم إمكانياتها الكبيرة فى توفير احتياجات السوق المحلى وتصدير الفائض.