مع اقتراب الشتاء فى نصف الكرة الأرضية الشمالى، تستمر حالات العدوى الجديدة بوباء «كوفيد 19»، عالمياً بلا هوادة.
ويخشى كثيرون، أن تزداد العدوى فى الطقس البارد، ومع ذلك، فإن جميع التوقعات تقريباً للناتج المحلى تمت مراجعتها بحيث تشير إلى نمو بشكل عام، وهذا التفاؤل قد يخضع قريباً للاختبار.
وأدت القدرة المدهشة للاقتصاد الأمريكى على مقاومة الارتفاع الكبير فى الحالات منتصف الصيف، والسيطرة على موجة عودة ارتفاع الإصابات دون الحاجة للإغلاقات الحادة فى أبريل، إلى تعزيز الثقة فى أن تفشيات الفيروس فى الشتاء لن تدمر الاقتصاد العالمى، وكذلك الثقة فى انخفاض معدلات الحاجة لدخول المستشفيات جراء الإصابة والوفيات.
لكن فى ظل ضعف احتمالية التوصل لمصل فعال أو نظام اختبار يتم تطبيقه على نطاق واسع قبل الربيع المقبل، فإن فتح المدارس والشركات قد يقود إلى زيادة حالات العدوى التى تكون تحت السيطرة فقط من خلال الإغلاقات واسعة النطاق.
ولن يكون الضرر الاقتصادى من هذه الأحداث قابلاً للتجاهل، كما أن التوقعات لم تأخذ هذا السيناريو فى الحسبان، وبالتالى من الوارد جداً إعادة مراجعة التوقعات لتشير إلى هبوط فى النمو.
وعلى المدى الطويل، تتمثل المخاطر الرئيسية للاقتصادات المتقدمة فى الندبات الاقتصادية، ووفقاً للتقييم الاقتصادى المؤقت الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية الأسبوع الماضى، ستتضمن تأثيرات عدم اليقين الأكبر، الادخار الاستباقى من قبل الأسر، والاستثمار الأقل من قبل الشركات خصوصاً تلك الشركات ذات نسب الديون المرتفعة.
وستؤدى التغيرات الهيكلية فى نواتج القطاعات الاقتصادية الناتجة أو المتسارعة بسبب الوباء إلى إفلاسات وخسائر فى الوظائف.
وعملية «الدمار الخلاق» تلك ضرورية للتعافى على المدى الطويل، ولكنها تعنى حتما مستويات أدنى من الناتج لفترة طويلة، مقارنة بمسارات النمو المشهودة فى فترات الركود السابقة للوباء.
وثمة عدم يقين هائل – يقر به صناع السياسة – بشأن نطاق هذه الندبات، ونشر الاقتصاديون فى شركة «فولكروم» الاستشارية، حسابات تقارن الندبات المحتملة من فيروس كورونا، مع تلك الملحوظة بعد بداية الأزمة المالية العالمية فى 2007، ووجدوا أن الوباء أكثر حدة بفارق كبير.
ونحن نقيس درجة الضرر الاقتصادى من خلال الفرق بين مستوى الناتج بعد ثلاث سنوات من صدمة 2020 وبين مسار النمو المتوقع قبل حدوث الصدمة، ووجدنا أن مسار الاقتصاد العالمى المتوقع خلال العامين المقبلين مختلف تماماً عما كان بعد الأزمة السابقة فى 2007.
وتظهر أحدث التوقعات الاقتصادية تعافياً حاداً للغاية على شكل حرف «V»، وأقوى بكثير من تعافى عام 2009 و2010، ولكن هذا يعنى أن الناتج العالمى ينبغى أن ينمو بنسبة تزيد على نسبة النمو المسجلة فى 2014 بحوالى %4.
ومن بين الدول الفردية، من المتوقع أن تكون الصين الأكثر نجاحاً بين الاقتصادات الرئيسية فى التعامل مع صدمة الوباء، وقد يرتفع ناتجها المحلى الإجمالى العام الحالى بنسبة %2 ثم يقفز بنسبة %15 فوق مستويات ما قبل «كوفيد» فى 2022.
ويُتوقع أن تكون الاقتصادات المتقدمة أقل نجاحاً، ومع ذلك، تظهر جميعها تعافياً قوياً للغاية بعد موجات الانهيار منتصف 2020، ومن المتوقع أن تسجل الولايات المتحدة تراجعاً أصغر فى الناتج العام الحالى من الاتحاد الأوروبى وبريطانيا، وتسجل تعافياً أبطأ فى 2021، وتعد اليابان الاقتصاد الرئيسى الوحيد الذى قد يفشل فى تعويض جميع خسائره حتى بحلول 2022.
ورغم التوقعات بتعافى الناتج العالمى سريعاً نسبياً إلى مستويات ما قبل «كوفيد 19»، فإن مسار النمو السابق لن يتحقق قبل العديد من السنوات.
وتشير أحدث التوقعات إلى أن الضرر الاقتصادى فى 2022 سيكون عند %3 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى وبنسبة %3.3 للاقتصادات المتقدمة، ويبدو أن هذه التقديرات خاضعة لمخاطر هبوطية أكبر.
وكان يُعتقد أن الضرر الاقتصادى المشهود خلال 3 سنوات من الأزمة المالية العالمية يعادل ضعفى الضرر المتوقع هذه المرة، ولكن التوقعات المبدئية بتعافى اقتصادى حاد أثبتت أنها شديدة التفاؤل، وعلاوة على ذلك لم يتجه إلى التعافى ومعدل النمو أبداً إلى مستويات ما قبل الأزمة (أثناء الأزمة المالية العالمية)، وبالتالى استمر تأثير الندبات فى الإزدياد عام بعد عام لبقية العقد.
وتكرار خيبات الأمل سيكون بمثابة تهديد خطير للثقة، وتشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية إلى أنه فى السيناريوهات المتشائمة قد يفقد الناتج العالمى %3 إضافية بنهاية العام المقبل، مع انخفاض تضخم الأسعار الاستهلاكية بنسبة %1، مقارنة مع سيناريو التوقعات الأساسى.
كما تتوقع المنظمة تراجع أسعار الأسهم العالمية بنسبة %15، وهبوط أسعار السلع غير البترولية بنسبة %10 فى النصف الأول من 2021، وتعد عائدات السندات وأسعار الفائدة – التى تتراجع عادة لتخفيف صدمات التراجع فى أسعار الأصول الخطيرة فى مثل هذه الظروف – منخفضة للغاية بقرب أدنى مستوياتها بالفعل، وبالتالى لن توفر شبكة الأمان التى عادة ما توفرها عندما ترتفع علاوات المخاطر فى الأسهم، وكانت الأسواق شديدة التفاؤل ظنا منها أن الأسوأ قد مر على الاقتصاد العالمى فى الربيع، ولكن الجزء الأصعب على وشك البدء.
بقلم: جيفين دافيز، رئيس مجلس إدارة “فولكروم” لإدارة الأصول.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية