اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 111
يعد البنك الدولى أول من أصدر تلك السندات فى العالم عام 2008، وهى سندات ذات دخل ثابت تخصص أموالها للاستثمار فى مشروعات تهتم بالحفاظ على البيئة ومكافحة التلوث والتغير المناخى، واستدامة الموارد الطبيعية وحسن إدرتها، وكذلك فى مجال مشروعات البنية الأساسية والطاقة الجديدة والمتجددة والنقل النظيف والمدن الجديدة الصديقة للبيئة؛ حيث وضع البنك الدولى خطة لمضاعفة استثماراته فى السندات الخضراء لتصل إلى 200 مليار دولار خلال الفترة من 2021 – 2025 فى سعيه لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتمويلها.
وهذا الاستخدام المحدد لأموال هذه السندات هو ما يميزها عن السندات التقليدية؛ حيث يقيم المستثمرون الأهداف البيئية المحددة للمشروعات التى تهدف السندات إلى مساندتها وتمويلها. وهناك العديد من المؤسسات وصناديق الاستثمار العالمية مهتمة بهذا النوع من السندات أو الاستثمار فى مشروعات تحافظ على البيئة ومكافحة التلوث واستدامة الموارد الطبيعية.
فعلى الصعيد العالمى، وكما جاء فى أحد التقارير التى نشرتها إنتربرايز فى هذا الشأن مؤخراً، فقد كان من المتوقع أن يزداد إصدار السندات الخضراء وسندات الاستدامة بنسبة 24% لتصل إلى 400 مليار دولار خلال 2020، كان نصيب السندات الخضراء منها 300 مليار دولار؛ أى ما يمثل 75% من إجمالى ما كان مخططاً له.
ولكن نتيجة ما مر به الاقتصاد العالمى من أزمات متتالية، لا سيما أزمة كورونا الأخيرة أدى ذلك إلى انخفاض إصدار السندات الخضراء بنسبة 36%، مقارنة بعام 2019، الذى شهد إصدارات بكميات غير مسبوقة بلغت 261.9 مليار دولار، لتصل خلال النصف الأول من 2020 إلى 66.6 مليار فقط. كما انخفضت إصدارات المؤسسات المالية للسندات الخضراء بنسبة 50% للتخفيف من أثر التباطؤ الاقتصادى.
وما زالت المؤسسات الدولية محتارة بين توقعاتها بشأن خفض مبيعات السندات أو الدعوة إلى إصدار المزيد منها لتمويل المشروعات الخضراء، فقد خفضت مؤسسات التصنيف الائتمانى العالمية من توقعاتها بشأن مبيعات السندات الخضراء عالمياً، ومنها «موديز»؛ حيث خفضت من توقعاتها لمبيعات تلك السندات خلال عام 2020 من 300 مليار دولار إلى ما بين 175 و225 ملياراً، فعلى سبيل المثال، قررت اليابان تخفيض إصدار السندات الخضراء بها خلال 2020 لأول مرة من 7 سنوات.
ومن ناحية أخرى، ترى دول ومؤسسات أخرى، أنَّ الوقت ملائم لتمويل المشروعات الخضراء مثل دويتشه بنك، ودول مثل روسيا والسويد والبرازيل التى أعلنت عزمها بناء مشروعات طاقة متجددة بقوة 8 جيجاوات بتمويل من إصدار سندات خضراء.
أما على الصعيد المحلى، فقد ازداد الاهتمام بإصدار السندات الخضراء فى مصر قبل أزمة كورونا التى ضربت الاقتصاد المصرى بدءاً من نهارية مارس 2020 ومن قبلها دول العالم فى فبراير 2020، عندما أعلن أحد بنوك الاستثمار الشهيرة فى يناير2020، أنه يتفاوض مع شركة مملوكة للدولة لإدارة إصدار سنداتها الخضراء، ثم إعلان هيئة الرقابة الإدارية أنها تلقت طلباً من مؤسسة نرويجية لإصدار سندات خضراء بقيمة 500 مليون جنيه فى مجال الطاقة المتجددة. ناهيك عن تصريحات وزارة المالية بأنها تدرس حجم وتوقيت إصدار سندات البنية التحتية التى قد تصدرها خلال العام المالى الجديد.
وما يزيد من أهمية تلك السندات حالياً أنَّ إصدارها لن يتطلب تشريعاً خاصاً مثل الصكوك، كما أن معدل الفائدة المنخفضة سيجعل من تلك السندات البديل الأقوى عن أدوات الدين المعتادة مثل السندات الدولية المقومة بالدولار.. كذلك تعد مصدر جذب قطاعات جديدة من المستثمرين الراغبين فى تمويل مشروعات مستدامة وصديقة للبيئة. كما أنها سوف تساعد على تنويع موارد الدين للتحوط من مخاطر السوق المحتملة، وأخيراً تشجيع وتحفيز تنفيذ مشروعات صديقة للبيئة فى السوق المحلى.
وتأتى أهمية إعداد تصنيف للمشروعات الخضراء من الأمور التى يجب الانتهاء منها، وهو ما تعمل هيئة الرقابة المالية حالياً بتصنيفها إلى ثلاث فئات: مشروعات قليلة الانبعاثات الكربونية، ومشروعات التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته، ومشروعات حماية التنوع البيولوجى الأرضى والمائى.
كما تقوم الهيئة، أيضاً، بإعداد قائمة لمراقبين دوليين مستقلين يمكن العودة إليهم لتحديد مشروعات السندات الخضراء، وكذلك فتح سجل لمراقبى البيئة المحليين، كما قررت الهيئة أيضا إعفاء مصدرى السندات الخضراء فى مصر من 50% من رسوم الإصدار.
لذا من الأهمية بمكان الإعداد الجيد لإصدار مثل هذه السندات لتنويع أدوات التمويل وتخفيض تكلفتها، وكذلك اختيار التوقيت الجيد لطرحها فى الأسواق العالمية، وهنا ينبغى الإشارة إلى أن الحكومة اتخذت بالفعل خطوات جادة فى هذا الشأن بتعيين بنوك كريدى أجريكول، وسيتى بنك، ودويتشه بنك، وإتش إس بى سى، فى فبراير لتسويق الإصدار المزمع طرحه، وتكليف بنكى كريدى أجريكول، وإتش إس بى سى بإعداد كتيب خاص بالطرح.
وبشكل عام، فإنه من المتوقع أن يصل إجمالى إصدارات السندات الخضراء فى مصر إلى 500 مليون دولار فى العام المالى 2021 – 2020، ولكن يتبقى الكم والتوقيت الخاصيان بالإصدار وكذلك نوعية المشروعات التى ستمول من خلال هذه السندات لضمان نجاح الطرح، وقد يكون نجاحها لاحقاً دافعاً لإصدار سندات اجتماعية لتمويل مشروعات اجتماعية تهم المواطن مستقبلاً، تحت مظلة تحقيق أهداف التنمية المستدامة التى تعنى بالمواطن والموارد الطبيعية ومشروعات البنية الأساسية والطاقة الجديدة والمتجددة وغيرها مما ذكرنا سابقاً.
وإصدار مصر مثل هذه السندات السيادية لأول مرة يجعلها أول دولة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصدر مثل هذه السندات، فمصر لديها العديد من المشروعات فى مجالات البنية الأساسية والطاقة الجديدة والمتجددة من الشمس والرياح (مثل مشروع محطة بنبان للطاقة الشمسية فى أسوان).. ومن الدول التى سبقتها فى آسيا فى هذا الشأن الهند والصين فى تمويل المشروعات صديقة البيئة.
وما نبغى إلا إصلاحاً وتوعية..
بقلم: إبراهيم مصطفى
خبير اقتصاد واستثمار وتطوير أعمال