أتاحت اقتصادات آسيا سريعة النمو وعلى مدى عقود زمنية، الفرصة أمام ملايين الشباب لعيشوا حياة أفضل من آبائهم، لكن هذا المسار الصاعد أصبح فى خطر الآن مع تزايد معدلات البطالة بين الشباب فى منطقة تضم غالبية سكان العالم، ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً.
وأوضحت وكالة أنباء «بلومبرج»، أن هؤلاء الشباب، الذين يعتبرون فى بداية حياتهم العملية يفقدون وظائفهم بمعدل أسرع من الأجيال الأكبر سناً، نظراً لوجود نصف هؤلاء الشباب تقريباً فى القطاعات الاقتصادية الـ4 الأكثر تضرراً من تفشى جائحة «كوفيد-19»، بما فى ذلك تجارة الجملة والتجزئة والتصنيع والخدمات والإقامة وخدمة الطعام.
ووفقاً لتقرير صادر عن بنك التنمية الآسيوى ومنظمة العمل الدولية، تظهر خلاله تحذيرات من تخلف جيل الإغلاق عن بقية الأجيال، تعتبر النساء الشابات وهؤلاء الذين يعملون فى أدنى درجات السلم الوظيفى من بين الفئات الأكثر تضرراً.
وجاءت بافيسا كيتوبانيا، صاحبة الـ 26 عاماً، من العاصمة التايلندية بانكوك، ضمن هؤلاء الضحايا، إذ حصلت كيتوبانيا على رخصة عمل كطيار وكانت تخطط لاتباع خطى والدها فى قيادة الطائرات التجارية، لكن تلك الخطط تبددت عندما تفشت جائحة فيروس كورونا وانهارت بالتالى صناعة الطيران فى العالم.
وتتكرر مثل هذه القصة فى جميع أنحاء آسيا والمحيط الهادئ، حيث يمكن شطب ما يصل إلى 15 مليون وظيفة للمراهقين والشباب فى 13 دولة هذا العام، وفقاً لتقرير بنك التنمية الآسيوى ومنظمة العمل الدولية.
أزمة عالمية
فى الوقت الذى تعتبر فيه البطالة بين الشباب أزمة عالمية، وجهت آسيا أنظارها بشدة فى العقود الأخيرة إلى الشباب وازدهار الطبقة الوسطى المزدهرة أصلاً لدفع الطلب، وهى ديناميكية تواجه مخاطر الآن.
ومن المتوقع انكماش اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ خلال العام الحالى للمرة الأولى منذ الستينيات، وذلك بعد أن استحوذت تلك المنطقة النامية على أكثر من ثلثى النمو الاقتصادى العالمى فى عام 2019.
الفقراء الجدد
تسببت صدمة جائحة كوفيد-19، فى خلق طبقة من الفقراء الجدد فى جميع أنحاء شرق آسيا والمحيط الهادئ، إذ من المتوقع أن يعيش 38 مليون شخص إضافى فى حالة من الفقر، وفقاً لبيانات البنك الدولى.
وتحذر وي-جون جين يونج، المديرة المؤسسة لمركز أبحاث الأسرة والسكان فى جامعة سنغافورة الوطنية، من أن هذه الأزمة ستؤدى إلى توتر العلاقات بين جيل الشباب والأجيال الأكبر سناً، كما أنها تعرض الصحة النفسية للشباب للخطر، لتصبح بذلك تلك الأزمة أسوأ من أى أزمة فقدان وظائف سابقة.
وأوضحت يونج: «سيكون التأثير هذه المرة أسوأ بكثير، نظراً لتعدد الضغوط التى تتزامن مع تلك الأزمة فى وقت واحد، وستستمر هذه المرة لفترة زمنية أطول.. لذا سيكون التأثير أشد بكثير».
وظهر التأثير على العائلات، الذى حذرت منه يونج، على عائلة جيه.إم ديماوناهان، صاحب الـ 22 عاماً، فى العاصمة الفلبينية مانيلا، الذى كان يعتمد على الدخل التقاعدى لوالده أثناء فترة بحثه غير الناجح عن عمل بعد حصوله على شهادة جامعية فى علم الاجتماع، لينتهى به المطاف بالعمل فى مركز الاتصال، بدلاً من الحصول على وظيفة فى مجال التسويق كما كان يتوقع.
وأوضح ديماوناهان: «بعض الشركات توضح تعليق عملية التوظيف بسبب الوباء، وأنا أقع تحت ضغط قوى الآن، نظراً لعدم وجود دخل إضافى فى الأسرة، كما أنه لا يمكننا الاعتماد على الدخل التقاعدى لوالدى فقط لتغطية نفقاتنا اليومية».
وفى هذا الصدد، قالت «بلومبرج»، إن تلك الحلقة التى يدور فيها أمثال ديماوناهان لن يكون ممكناً دون دعم حكومى أو انتعاش اقتصادى سريع، ينتج عن السيطرة على الوباء فى نهاية المطاف وعودة الوظائف.
أمل المستقبل
ومع ذلك، لايزال هناك بصيص أمل بالنسبة لجيل الشباب الحالى فى قطاعات مثل التكنولوجيا، التى لاتزال تبحث عن الشباب المهرة، خصوصاً أن إمكانية الحصول على عمالة ماهرة متخصصة فى هذا القطاع يعد أمراً بالغ الأهمية.
وقالت رئيس شركة «أسرى تشاينا»، وينى تانج، وهى وحدة تابعة لشركة البرمجيات «أسرى» التى تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها، والتى تستضيف لوحة تحكم جونز هوبكنز المستخدمة لتتبع الفيروس، إن أكثر من %30 من موظفيها تقل أعمارهم عن 30 عاماً، مشيرة إلى أن صناعة تكنولوجيا المعلومات تعتبر مزدهرة.
ومع ذلك، تدرك تانغ، وهى أستاذة مساعدة فى جامعة هونج كونج أيضاً، أن عملية التعافى من البطالة المنتشرة بين الشباب ستستغرق أعوام، موضحة أن الشباب العاملين، حتى خريجى الجامعات، ربما يجنون أموالاً أقل لعقد من الزمن أو حتى لفترة زمنية أطول.
ومن المرجح أن يسجل سوق العمل، الذى يخرج من الأزمة، تسارعاً نحو اقتصاد الوظائف المؤقتة، لكن لن يزدهر كثير من شباب الجيل الحالى فى ذلك النوع من الاقتصاد، فقد أصبح اللجوء إلى العمل غير الرسمى دون عقود هو القاعدة المتبعة ومعدلات البطالة الرئيسية لا تستحوذ إلا على بعض الضرر.
حتى فى الصين، حيث يكون التعافى الاقتصادى أكثر تقدماً، حذرت الحكومة من استمرارية ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب ممن هم فى سن العمل، فى حين تعمل الشركات فى اليابان على خفض معدلات التوظيف، كما أن الخريجين الجدد يفقدون حظوظهم فى الحصول على فرص عمل طويلة الأمد.