وتيرة مراكمة الاحتياطيات الأجنبية في مصر ستفوق في سرعتها جميع التوقعات
التخفيض التدريجى لأسعار الفائدة يجذب المزيد من التدفقات لاستثمارات المحافظ المالية
في أحدث تقريرٍ له، قال دويتشه بنك إن الاقتصاد المصري ضمن قلة من الاقتصادات الناشئة التي تحقق معدل نمو إيجابي، وإن كان أقل من قدراتها بسبب جائحة كوفيد 19، معتبرة مصر درة الأسواق الناشئة.
وتوقع البنك الألماني أن يحقق الاقتصاد المصري نمواً بنسبة 3.4% للعام المالي الماضى و3.5% خلال العام المالي الحالى، بدعم من الإنفاق العام الحكومي، خاصة حزمة الـ100 مليار جنيه التي خصصتها الحكومة لدعم القطاعات غير النفطية وقطاع المقاولات، والقفزة في قطاعات الاتصالات والطاقة وتحسن صافي الصادرات.
وأوضح البنك أن تباطؤ النمو الحالي في مصر جاء بسبب إجراءات الإغلاق الاقتصادي المتعلق بالجائحة، وتعطل النشاط السياحي، وانخفاض الاستهلاك المحلي.
جميع الأنظار تتجه للتحويلات الخاصة
ورغم أن البنك يتوقع اتساع عجز الحساب الجاري إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي الماضي مقابل 3.6% للعام المالي السابق له، وذلك على خلفية تراجع الإيرادات من القطاع السياحي، ولكنه أضاف أن القطاع الخارجي لمصر أظهر مرونة من خلال تراجع عجز الميزان التجاري والدعم المالي الخارجي الملحوظ واستثمارات المحافظ المالية.
ووفقاً لتقديرات البنك، تجاوزت القروض واتفاقات التمويل التي أبرمتها مصر 15 مليار دولار، كما ارتفعت حيازات الأجانب لأذون الخزانة بنحو 3.1 مليار دولار.
وفي ظل انخفاض التدفقات من الموارد التقليدية للنقد الأجنبي، تبرز أهمية تحويلات العاملين بالخارج (المغتربين) والتي واصلت الأداء الجيد بشكل فاق التوقعات، مما يؤهلها للمساهمة بشكل ملحوظ في النمو وتعزيز السيولة بالعملة الأجنبية إذا استمرت على هذا المنوال.
ونوه دويتشه بنك في تقريره إلى أن تحويلات المغتربين هي أكبر مصدر للنقد الأجنبي حالياً، يليها الصادرات والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة وإيرادات قناة السويس وجميعها شهدت تراجعاً باستثناء التحويلات.
وذكر البنك أن هناك عدم يقين بشأن تحويلات المغتربين منبعه انخفاض نسبة العمالة الوافدة في الخليج على خلفية السياسات التنظيمية الجديدة لدول مجلس التعاون الخليجي والإجراءات التي تم اتخاذها بعد انخفاض أسعار البترول.
ورغم أن انخفاض التحويلات لمصر تبدو كأمر متوقع نتيجة للأسباب السابقة، لكنها في الواقع زادت 7.8% على أساس سنوي لتبلغ 17 مليار دولار خلال الشهور السبعة الأولى من العام الحالي، واستمرار تلك الزيادة بوسعه زيادة مساهمتها في النمو عبر تحفيز الاستهلاك المحلي ويجعلها حجر زاوية لسيولة العملة الأجنبية في القطاع البنكي المحلي.
وتوقع دويتشه بنك ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية للقطاع المصرفي بنحو 5 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي، وأكد أن وتيرة مراكمة الاحتياطيات الأجنبية في مصر ستفوق في سرعتها جميع التوقعات.
بحسب دراسة دويتشه بنك، شهدت الأسعار في مصر انخفاضاً جديداً خلال أغسطس الماضي نتيجة لانخفاض للطلب الاستهلاكي، لكن يتوقع البنك ارتفاعاً طفيفاً في قراءات التضخم لشهر سبتمبر بالتزامن مع إعادة الفتح التدريجي للنشاط الاقتصادي، ليسجل 3.9% على أساس سنوي، ورجح البنك استمرار ارتفاع الضغوط التضخمية خلال الربع الرابع من العام الحالي وذلك بدعم من عودة النشاط الاقتصادي العام ولكن ستظل هذه الزيادة في مستويات مقبولة.
وتابع البنك قائلاً: “من المتوقع أن يتأثر مستوى التضخم السنوي في سبتمبر هذا العام بعد صدور مستويات مؤشرات أسعار المستهلكين السنوية العاشرة بشكلٍ سلبي وذلك لاعتماد حساب هذه المؤشرات على مستويات شهر سبتمبر من العام الماضي كسنة أساس”.
لا يمكن استبعاد مزيد من خفض الفائدة للعام الحالي
وذكر تقرير دويتشه بنك أن قرار المركزي بخفض أسعار الفائدة بنسبة 0.5% في اجتماع سبتمبر الماضي جاء على خلفية انخفاض معدلات التضخم والدعم المالي الخارجي القوي وبوادر تعافى مقبولة.
وأضاف البنك أنه لا يمكن استبعاد خفض آخر بمقدار 0.5% في اجتماع لجنة السياسات النقدية في ديسمبر المقبل، وذلك للمحافظة على مستويات التضخم لتكون ضمن المستويات المستهدفة. ورغم توقعه بخفض الفائدة، لكنه ذكر أيضاً أن النهج الحذر للبنك المركزي سيمنع مخاوف انخفاض السيولة الأجنبية أو مخاوف تيسير السياسة النقدية بأكثر مما ينبغي.
وأوضح دويتشه بنك أنه نظراً لأهمية أسعار الفائدة الحقيقة في الوقت الحالي لدعم تجارة الفائدة وتدفقات المحافظ المالية وتفهم البنك المركزي لمخاوف الاستقرار المالي، فقد جاء قرار خفض الفائدة لدعم المصداقية التي يتمتع بها البنك المركزي ورفع مستوى الثقة في مرونة استراتيجيته الخارجية.
وتوقع محللو البنك أن تبقى مستويات الفائدة الحقيقية مرتفعة، بل وقد ترتفع إلى 5.3% الشهر المقبل بدلًا من 4.9% حاليًا في حال صحت التوقعات بشأن شهر أكتوبر وانخفاض معدل التضخم فيه.
ورغم أهمية استثمارات المحافظ المالية كمصدر للتمويل الخارجي، لكن الخفض الحذر لأسعار الفائدة يشير إلى رغبة المركزي بخفض معدلات الفائدة على خلفية عدم اليقين بشأن النمو المحلي، بحسب البنك الألماني.
وتابع البنك قائلاً: “نعتقد أن التعافي التدريجي للنشاط الاقتصادي قد يسب بعض القلق للبنك المركزي في ظل مستويات الدين الحالية في البلاد رغم أنها في الوقت الحالي ضمن نطاق مستدام، لكن ذلك قد يختلف في حال زاد أمد أو شدة تأثير الجائحة عن التوقعات”.
وتوقع البنك الألماني تثبيت المركزي لأسعار الفائدة في نوفمبر المقبل للوقوف على أثر الخفض الأخير في سبتمبر الماضي وتحسبًا لاضطرابات الأسواق العالمية قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية التي تتسم بقدر عال من عدم اليقين، على أن يستأنف المركزي دورة التيسير النقدي ويخفض الفائدة بمقدار0.5% في ديسمبر وبمقدار 1.5% في عام 2021.
التدفقات القوية لاستثمارات المحافظ المالية تدعم الرؤية البناءة للأسواق المحلية
كما أضاف دويتشه بنك أن التدفقات المالية التي شهدتها البلاد مؤخرًا تدعم رؤيته البناءة للأسواق المحلية، مؤكدًا ثقته في سوق الدخل الثابت بالعملة المحلية، وذلك بدعم من التيسير النقدي التدريجي بالتزامن مع تضخم ضمن النسب المستهدفة، واستقرار سعر الصرف، وتسعير جاذب لأدوات الدخل لثابت، وتحسن الطلب الأجنبي على الطروحات الاسبوعية.
وقال البنك إن المستثمرين تفاعلوا مع مصر كسوق ناشئ تمامًا في وقت الأزمة، حيث سجلت التدفقات النقدية تخارجاً قوياً لاستثمارات المحافظ المالية، تبعها تعاف سريع وحاد حيث شهد يوليو الماضي دخول ما يزيد على 3.1 مليار دولار. وأضاف البنك أنه مازال هناك مجال لتعافي أكبر حيث إن حيازات الأجانب من الأذون مازالت أقل بنحو 5 مليارات دولار عن مستويات بداية العام الحالي.
وتوقع البنك استمرار الطلب المرتفع من المستثمرين الأجانب على الطروحات الاسبوعية لأذون وسندات الخزانة الحكومية بالعملة المحلية.
توصيات بالاستثمار في سوق الدخل الثابت المحلي
أضاف دويتشه بنك في تقريره أنه أوصى منذ منتصف أغسطس الماضي بالشراء في سوق الدخل الثابت المصري، وذلك في ظل التقييم المنخفض وأسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة، وانخفاض الضغوط التضخمية وسياسة البنك المركزي الحذرة بالتزامن مع تحسن الطلب على الطروحات الأسبوعية.
وتابع البنك قائلاً: “ومنذ ذلك الحين، كان أداء الأسواق المحلية قوي، وأفضل من الأقران خاصة على صعيد سعر الصرف، كما أن التقييم الثابت لم يتغير، وواصل التضخم التراجع، وظل الطلب الأجنبي قوياً”.
وأضاف: “كما أن خفض البنك المركزي المفاجئ لأسعار الفائدة جاء من دون ارباك للسوق المحلي”.
وتوقع البنك أن يكون أداء مصر أفضل من جميع الأقران في أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وإفريقيا عند مقارنة العوائد بمستوى المخاطر بنهاية العام”.
ويعتقد محللو دويتشه بنك أن التخفيض التدريجي لأسعار الفائدة سيؤدى إلى المزيد من التدفقات لاستثمارات المحافظ المالية، مستبعدًا انخفاض سعر صرف الجنيه.
وبصفة عامة، توقع البنك أن تظل أسعار الفائدة الحقيقية في مصر أعلى من الأقران خاصة تركيا في ظل السيطرة على معدلات التضخم، كما أن التمركز في أذون وسندات الخزانة مازال يسمح بمزيد من التوسع في ظل عوائد السندات الجذابة.
وتابع البنك قائلاً: “نفضل الآجال الطويلة، رغم علمنا أن مخاطرها أعلى وأنها تتسم بمعدلات سيولة أقل وأن الطلب أقوى على السندات قصيرة الأجل، ولكن السندات آجال 5و7 سنوات هي المفضلة لدينا حالياً”.
وتوقع البنك تحسن أداء السندات المصرية، وأن ينخفض العائد على الأجل 5 سنوات ليصل إلى 12.5% وهي مستويات أدنى بنسبة 2% من معدلاتها الحالية.