ثمة الكثير مما يثير الإعجاب فى تعافى الصين، فما بين الربعين الثاني والثالث توسع اقتصادها بنسبة 4.9%، وهي الوحيدة بين أكبر الاقتصادات في العالم التي يتوقع لها صندوق النقد الدولي أن تتجنب الانكماش العام الجاري، وهذا يعود بقدر كبير إلى نجاح بكين في التخلص من كوفيد 19، بحانب براعة القطاع الصناعي في الدولة.
ومع ذلك، عند التدقيق في الأرقام، تكون الصورة أقل وردية مما تبدو عليه، وقبل الوباء بوقت طويل، بدا ثاني أكبر اقتصاد في العالم غير متوازن بشكل خطير، ووضعت بكين قدراً كبيراً من التركيز على رقم الناتج المحلى الإجمالى الأساسى كمقياس لقوتها الاقتصادية، وأحد نتائج ذلك هو أنه عندما كان النمو يتعرض لخطر التراجع إلى مستويات يعتبرها الحزب الشيوعي الحاكم منخفضة للغاية، كانت تشرع الحكومة في تدخل عنيف.
وتضمن هذا التدخل في العادة تمويل مشروعات خاصة في مجال الإنشاءات التي لا يكون لها أغراض اقتصادية هامة بخلاف تعزيز الطلب، كما أنها جعلت مستويات الاستثمار للشركات الحكومية تتجاوز بقدر كبير مساهمات القطاع الخاص.
وتضخمت ديون البلديات العامة في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008، ويبدو أن ذلك تكرر مجدداً أثناء الوباء.
وفي الأشهر الـ9 الأولى من العام، تراجع الاستثمار في الأصول الثابتة من الشركات غير المملوكة للحكومة الصينية بنسبة 1.5% من العام السابق، أما استثمارات الشركات الحكومية ارتفعت بنسبة 4% خلال الفترة نفسها، ولطالما حذر مراقبو الاقتصاد الصيني من أن فرط الاستثمار في مجالات مثل العقارات سوف يقود إلى كميات هائلة من القروض المعدومة المحتملة.
وهناك أسباب عديدة تدفعنا للاعتقاد بأن هذا الاختلال بين استثمارات القطاعين العام والخاص – والتهديد الناتج على المدى الطويل للنمو- قد يزداد سوءاً، واستجابت الصين للوباء من خلال غلق حدودها لدرجة أنه حتى الآن من المستحيل تقريباً على الأجانب دخولها، وإذا كان ممثلي الشركات من أماكن مثل ألمانيا لا يستطيعوا زيارة البلد، فيمكن أن نتوقع هبوطا في الاستثمارات الداخلة كنتيجة لذلك، كما أن التوترات التجارية بين الصين وشركائها التجاريين لديها تأثير كذلك، والنزاعات ليست مع الولايات المتحدة فقط، فقد قالت الحكومة اليابانية، إنها ستدفع للشركات للتوقف عن استخدام المصانع الصينية، وتبنت كوريا الجنوبية اسراتيجية مماثلة.
وسعت الصين للرد على هذا التضييق العالمي من خلال استراتيجية أسماها الرئيس شي جين بينج “التداول المزدوج”، وتضفي هذه الاستراتيجية الطابع الرسمي على مبادرة مطروحة منذ وقت طويل لتوفير المزيد من النمو من خلال الطلب المحلي، مما يسمح للاقتصاد بالبقاء حياً بعد انفصاله عن بقية العالم عن طريق استهلاك المزيد من منتجاته بنفسه.
وثمة علامات على أن أداء الطلب المحلي أفضل، وارتفعت الواردات لأعلى مستوى حتى الآن العام الحالي في سبتمبر، وتعافت مبيعات التجزئة كذلك وإن كان بوتيرة أبطأ من الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام، ومع ذلك، لايزال استهلاك الأسر يشكل أقل من 40% من الناتج المحلي الإجمالي في الصين، مقارنة بحوالي 65% و70% في أغلب الدول المتقدمة.
وتعد عودة الصين للنمو نقطة مضيئة حقيقية في آفاق عالمية كئيبة، وساعد تعافيها على تقديم دفعة لأرقام الصادرات القوية في الأماكن الأخرى، خاصة في أوروبا، وليس من مصلحة أحد أن يتعثر تعافيها في وقت تهدد فيه ارتفاع حالات الإصابة في الاقتصادات المتقدمة الأخرى بإشعال فتيل ركود مزدوج.
ومع ذلك ودون انتعاش استثمار القطاع الخاص، هناك مخاطر متزايدة بأن أي دفعة للنمو في الأرباع المقبلة سوف تعتمد اعتماداً مفرطاً على عوامل تضر أكثر مما تنفع على المدى البعيد.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.