اقتصادنا يا تعبنا.. المقالة رقم 117
يُعد الفساد من الظواهر والممارسات التى عرفتها كل المجتمعات والتنظيمات والدول، قديمها وحديثها، وإن اختلفت – بطبيعة الحال – صورها وأشكالها من سياق إلى آخر. وتتمثل هذه الأشكال فيما يأتى:
الرشوة
وهى من صور الفساد الأساسية، وقد يَعرِضها فرد أو مؤسسة من القطاع الخاص «لشراء» مصلحة أو معاملة غير مُستحقة تقدمها الحكومة المركزية أو الجهات الحكومية الأخرى، وذلك فى مجالات عدة، منها:
التعاقدات الحكومية: قد تؤثر الرشاوى فى مسار التعاقدات الحكومية التى تحكم شراء أو بيع السلع والخدمات بواسطة الحكومة من أو إلى القطاع الخاص. فقد يتم تقديم رشوة بواسطة القطاع الخاص لضمان الفوز بمناقصة أو مزايدة مع الحكومة، أو للتغاضى عن بعض المخالفات التى يتضمنها عطاء ما.
المنافع والمزايا الحكومية: قد تؤثر الرشاوى كذلك فى توزيع المزايا التى تمنحها الحكومة سواء كانت مزايا مالية (كالدعم المُقدم لبعض الشركات أو الأفراد أو مزايا الحصول على معاشات معينة أو إعانات من أى نوع)، أو مزايا عينية (كالحصول على صور معينة من العلاج والأدوية أو حتى الحصول عن غير استحقاق على حصص فى شركات يتم خصخصتها).
الضرائب/ الجمارك المفروضة: قد يتم تقديم الرشاوى للتقليل من الضرائب التى يتم تقديرها، أو الرسوم المفروضة على بعض كيانات القطاع الخاص، وخصوصاً فى الدول التى تكون فيها الضريبة المُقدرة قابلةً للتفاوض.
استخراج التراخيص والموافقات أو إنجاز أعمال ما: قد تلعب الرشاوى المطلوبة من – أو المعروضة على- أحد الطرفين دوراً فى عملية استصدار أو استخراج التراخيص التى تمنح حقوقاً امتيازية أو حصرية، خاصةً فى عملية استغلال واستصلاح وتنمية الأراضى أو استغلال موارد طبيعية قابلة للنضوب، كالمناجم والمحاجر وغيرها.
ويؤدى ضعف المنافسة، وعدم وجود قواعد صارمة ضد الممارسات الاحتكارية، إلى التربّح عن طريق الرشوة، ما يعنى حصول الشركات على ميزات مالية واقتصادية لا تستحقها، وهى بذلك لا تتنافس على أساس قواعد السوق. وهذا بدوره يؤدى فى نهاية الأمر إلى تحمل المستهلكين أسعاراً أعلى للسلع والخدمات، وقبولهم بنوعية أقل جودة، علاوة على قلة تنوع المنتجات المعروضة.
الاختلاس والسرقة
قد يتخذ الفساد صورة سرقة أو اختلاس أصول تابعة للدولة تقع تحت إشراف أو إدارة المسئول سواء فى الحكومة أو قطاع الأعمال أو حتى فى القطاع الخاص. وقد يكون ذلك فى صورة قصوى، مثل عمليات الخصخصة «المتسرعة» وغير المدروسة التى تتم فى بعض الدول ذات الاقتصاد الانتقالى، أو قد يكون فى صورة بسيطة نسبياً كاختلاس وسرقة مُعدات مكتبية، أو مركبات، أو وقود من الملكية العامة. ومقترفو هذا النوع من الفساد يكونون عادةً من المستويات المتوسطة والمنخفضة من الإدارة؛ حيث يرون عادةً أن أجورهم غير كافية، وتفتقر مؤسساتها إلى آليات الرقابة والثواب والعقاب الفعالة.
كذلك فى القطاع الخاص عندما يتم الاستيلاء على أموال المساهمين فى شركات القطاع الخاص أو أموال العملاء والنصب عليهم كما فى حالات الشركات العقارية أو توظيف الأموال، أو التلاعب فى أسهم الشركة فى البورصة.
التلاعب فى تخصيص الموارد
وهو ما يظهر جلياً فى أموال الدعم المُوجهة إلى المواطنين، أو الاستيلاء على جزء من الموارد المُخصصة لتوجيه الدعم المباشر للأفراد فى صورة نقدية، أو المحاباة فى تمييز بعضهم عن بعضهم الآخر، وهو ما يُعد تلاعباً فى تخصيص الموارد، وكذلك فى القطاع الخاص، ودليل ذلك: التلاعب وسرقة مواد البناء اللازمة لبناء المساكن من قِبل الشركات المُسند إليها تنفيذها، وهو ما أدى إلى تصاعد الاهتمام بقِيم النزاهة والعدالة والشفافية والإفصاح والحوكمة من قِبل المؤسسات الدولية، لما لها من أثر كبير فى عدالة التوزيع، وتخصيص الموارد فى المجتمع، هو ما يقوض جهود التنمية ويُهدر الموارد.
التلاعب فى تنفيذ الأحكام القضائية
تفرّق العديد من الدراسات بين «الفساد المُخالف للقانون»، و»الفساد فى إطار القانون». فالأول يمكن ملاحقته ومحاسبة المسئولين عنه لوجود نصوص قانونية محددة وقعت مخالفتها. أما الثانى فهو أخطر الأنواع؛ لأنه يعنى أنه ليست ثمة جريمة محددة ولا عقوبة، ومن ثم لا يمكن محاسبة المسئول عنها؛ لأن القاعدة الدستورية تنص على أنه: «لا جريمة إلا بنص».
ومما يدل على أهمية تنفيذ الأحكام وضع البنك الدولى لمؤشر تنفيذ الأحكام والعقود ضمن المؤشرات العشرة الرئيسية لقياس بيئة ممارسة الأعمال فى أكثر من 190 دولة فى تقريره السنوى Doing Business. كما قد يتم تقديم رشوة للتلاعب فى عملية قضائية ما، وذلك بهدف حمل ممثل الحكومة- الذى ينظر الخلاف أو القضية- على التغاضى عن المخالفات والتجاوزات، أو حتى تفضيل طرف من أطراف النزاع وإصدار حكم لمصلحته.
وهذا النوع من الفساد غالباً ما يكون نتيجة خلل بالغ، وفساد سياسى، فى نظام التشريع فى الدولة، والضغوط التى تمارس خلال عملية الصياغة قبل الإقرار، والثغرات الموجودة فى القوانين، وطريقة أداء المؤسسات المُشرفة على تطبيق تلك القوانين فى عملية التقاضى، من حيث طول أمد الإجراءات، والتكلفة فى المحاكم.
التلاعب فى عملية صنع القرار
وهو ما أطلقت عليه منظمة الشفافية الدولية «الفساد السياسى Political Corruption»، ويعرّف على أنه: «تلاعب صُنّاع القرار وأصحاب المراكز فى ممارسة السياسات العامة والنظام الداخلى لمؤسسات الدولة وآليات تخصيص الموارد، للتمكن من الاستمرار فى السلطة والحفاظ على مكاناتهم وثرواتهم.
ويضيف البنك الدولى، أن هذا النوع من الفساد قد يتخذ شكلاً سياسياً أو إدارياً، وأحياناً يتم على المستويين فى آنٍ واحد، وهو ما يتطلب لمواجهته نظاماً متكاملاً كفئاً وفعالاً من قوانين الانتخابات، والرقابة على تمويل الحملات الانتخابية، وإدارة جيدة لمفهوم تضارب المصالح للسلطات أفراداً ومؤسسات.
وبناءً على ما سبق، فإن الفساد يُعد جريمة يرتكبها موظفو الدولة والقطاعين العام والخاص؛ حيث إنَّ القطاع الخاص يتورّط فى معظم حالات الفساد الحكومى التى تنطوى على إساءة استعمال المال أو التماس خدمات للكسب الشخصى، أو إساءة استعمال السلطة الرسمية أو النفوذ مقابل مال أو خدمات، أو إخلال بالمصلحة العامة لاكتساب امتيازات شخصية خاصة.
وما نبغى إلا إصلاحاً وتوعيةً..