آخر مرة انخفض سوق الأسهم البريطانى للمستويات الحالية – مقارنة بالمتوسط العالمى – كان منذ فرابة نصف قرن.
حدث ذلك فى عام 1973، وكانت بريطانيا تعانى من صدمة بترول واختلالات اقتصادية عالمية بجانب اضرابات العمالة وانقطاعات التيار الكهربائى، وأتذكر أنى اضطررت لأداء واجباتى المنزلية على ضوء الشموع.
فهل يحتمل أن تكون آفاق الاقتصاد البريطانى سيئة بنفس القدر الآن؟ أم أن الثقة فى أسهم بريطانيا تراجعت لدرجة أن السوق أصبح دون قيمته بشكل خطير ويحوى صفقات لهؤلاء المستعدين لتحدى عناوين الأخبار المحبطة؟
ومن الواضح، أن الاقتصاد فى حالة ركود، وتوقع صندوق النقد فى أحدث تقاريره الأسبوع الماضى هبوطاً بنسبة %10.4 فى الناتج المحلى الإجمالى للدولة العام الجارى، مع تعافى جزئى بنسبة %5 إلى %7 فى 2021، وقد يظل الناتج أقل بنسبة %3 إلى %6 دون مستويات ما قبل الوباء.
ويلقى الوباء بظلاله على آفاق النمو فى الدول الأخرى أيضاً، ولكن أرقام النمو تجعل بريطانيا الأضعف بين الدول المتقدمة.
ورغم أن أرقام الناتج المحلى الإجمالى لا تحدد بشكل مباشر أرباح الشركات، فإن البيئة قاسية خصوصاً على شركات البيع بالتجزئة وسلاسل المطاعم، فى حين أن نظرائهم الأجانب لن يتعين عليهم التعامل مع تداعيات خروج بريطانيا أيضاً بجانب الوباء.
ولا عجب إذن فى أن مؤشر «إف تى أول شيرز» لايزال متراجعاً بحوالى %20 فى 2020، بينما ارتفعت المؤشرات العالمية وإن كان بقدر طفيف، وتعد الأسهم البريطانية فى أدنى تقييماتها مقارنة بمؤشر «إم إس سى آى» العالمى منذ أوائل سبعينيات القرن الماضى، وفقاً لمزيج من نسب ربحية السهم ونسب السعر لتوزيعات الأرباح ونسبة السعر للقيمة الدفترية.
ولكن، مع الكثير من التراجع فى الأسهم، هل يمكن أن يكون هناك صعودا؟
بالكاد تفاعل السوق الأسبوع الماضى مع قرارات رئيس الوزراء بوريس جونسون لإغلاق الاقتصاد لمدة شهر، وإذا لم يتسبب ذلك فى هبوط حاد للأسهم، فربما نكون قد وصلنا لقاع الهبوط، ما يحد من المخاطر التى قد يواجهها المستثمرين إذا استثمروا فى السوق.
وتشترى صناديق الاستثمار المعاكسة – التى تشترى الأصول غير المرغوب فيها – الأسهم البريطانية، وقال إيان لانس، من «آر دبليو سى بارتنرز» الاستثمارية: «العديد من الأشخاص يخطئون من خلال الفزع والبيع عندما يكون السوق متراجعاً ثم يشترون لاحقاً عندما يتعافى، ومن الصعب نفسياً القيام بالأمر الصحيح».
ولم يتأثر لانس، على سبيل المثال، بإعلان «ماركس آند سبينسر» الأسبوع الماضى عن أول خسارة نصف سنوية لها، ويجادل أن المستثمرين يغفلون عن أعمال الأغذية سريعة النمو للشركة، بجانب العمليات الداخلية التى تقدر بـ2.5 مليار جنيه استرلينى والحصة بقيمة مليار جنيه استرلينى فى شركة «أوكادو»، وهى أعمال بقيمة 3.5 مليار جنيه استرلينى لشركة قيمتها السوقية 2 مليار دولار فقط.
وهناك بنك «نات ويست» الحكومى الذى يتباهى بإدارة رأسمال أعلى بنسبة %4 إلى %5 فوق المستوى الإلزامى، أى ما يعادل 31 مليار دولار من النقدية التى تعمل كممتص للصدمات فى أزمة كبيرة كما أنها أموال سخية يمكن توزيعها كأرباح مستقبلا بمجرد أن يسمح المشرعون بعودة توزيعات الأرباح، ويتوقع لانس عائدا بنسبة %10 على الاستثمار فى أسهم البنك.
كما يحب لانس أيضاً «رويال ميل». وبينما يركز المتشائمون على خسائر خدمات التوصيل، ينظر هو لأعمال توصيل الطرود سريعة النمو.
وبشكل عام، من الجدير تذكر أن الشركات المدرجة فى بريطانيا تكسب الكثير من الأرباح بالخارج – %70 من الشركات المدرجة فى «فوتسى 100»، والتى تهيمن على السوق أغلبها مجموعات بترول وغاز – ورغم أن شركات البترول والغاز قد لا تكون محبذة الآن لأسباب بيئية وتجارية، فإن عائدات «بى بى» تبلغ %9، حتى بعد خفض التوزيعات.
وقد تكون هناك قيمة كذلك فى الشركات الدولية الأصغر، وينصح روب بيرجمان، مدير استثمار فى «بريون دولفين» لإدارة الثروات، بأسهم «آشتيد»، وهى شركة تأجير معدات صناعية تولد %85 من إيراداتها فى الولايات المتحدة، كما أنها سوف تستفيد من أى محفزات مالية تأتى بعد الانتخابات الأمريكية.
ولكن رغم كل ذلك، فإن سوق الأسهم البريطانى يعانى من ضعف جوهرى يتجاوز الوباء وخروج بريطانيا، وهو نقص الأسهم التكنولوجية، وفى غياب المصدر الأكبر لخلق القيمة العالمية فى العقد الماضى، فإن مديرى الصناديق يتطلعون للخارج وخاصة الولايات المتحدة.
ولكن هذا لا يعنى تجاهل الشركات العالمية البريطانية القوية، فعلى سبيل المثال، تحقق «يونيليفر»، و«جلاكسو سميث كلاين»، و«أسترازينيكا» أرباح من زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والنظافة الشخصية جراء الوباء، ولكن ذلك لا يعوض عن ضعف القطاع التكنولوجى، وبعد نصف قرن من 1973، قد لا يكون ينقصنا كهرباء، ولكن نحتاج بعض الشرارات الأكثر إشراقا فى سوق الأسهم.
بقلم: ستيفان واجستيل