بعد 4 أعوام ونصف العام من تصويت بريطانيا على مغادرة الاتحاد الأوروبي، تواجه الحكومة لحظة صدق.
فنهاية الفترة الانتقالية للخروج بعد 6 أسابيع، ستعيد الترتيبات التجارية لبريطانيا فى أفضل الأحوال إلى ما كانت عليه عام 1992، قبل أن يولد السوق الأوروبي الموحد، والاضطرابات حتمية.
ولكن فى أسوأ الأحوال دون اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروربي، ستواجه القطاعات الحيوية للاقتصاد تعريفات مدمرة على الصادرات لأكبر سوق حتى الآن لصادرات بريطانيا.
وفي ظل بروز طريق لتسوية معقولة، لا توجد حكومة مسئولة ستقود الدولة لنتيجة لا اتفاق فيها وسط الوباء العالمى، وكما حدث منذ البداية، تتلخص المشكلة في المقايضة بين الاستقلالية ودخول السوق الأوروبي، وتطالب حكومة بوريس جونسون بصفقة معتدلة، ومن المفترض أن صفقة “على الطراز الكندي” – بتعريفات صفرية وحصص للبضائع المتداولة – ستسمح لها بالاحتفاظ بسيادتها الكاملة، ولكن تجادل أوروبا – ولها مبرراتها – بأن بريطانيا تطالب بما هو أكثر من اتفاق الاتحاد الأوروبي مع كندا، وأن حجمها الأكبر وقربها يوجب ضمانات للمنافسة العادلة أكثر مما تطلبته الاتفاقية مع كندا.
ورحيل مساعدين رئيسيين لرئيس الوزراء ومناصرين شديدين لحملة التصويت بالخروج، وهما دومينيك كامينجز، ولي كاين، الأسبوع الماضي يسهل ويعقد في الوقت نفسه حسابات داونينج ستريت، فبينما كان كامينجز مصراً على رفض الخضوع لقيود الاتحاد الأوروبي بشأن المساعدات الحكومية للأعمال التجارية – وهي إحدى أوجه الخلاف العالقة – سيكون جونسون حذراً من أن يبدو وكأنه يستسلم لبروكسل بعد أيام من رحيل أحد كبار مستشاريه.
ولكن ثمة أسباب سياسية مقنعة للتوصل إلى تسوية، أولاً، النتيجة التي تتضمن عدم التوصل لاتفاق سوف يكون تسويقها أصعب للعامة في الوقت الحالي أكثر مما كان عليه الأمر منذ عام مضى، وحينها سوف تبدو كثمن غير مقبول للتحرر من المفاوضات المستعصية من إجل “إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”، والآن وبعد خروج بريطانيا بشكل قانوني من الاتحاد الأوروبي، وترنح اقتصادها نتيجة الوباء، فإن المخاطرة بآلاف الوظائف من خلال رفض التوقيع على اتفاق تجاري أصغر سوف يكون من الأصعب شرحه باستخدام حجج السيادة المجردة.
ثانياً.. أغلب وظائف القطاع الصناعي الأكثر عرضة للتعريفات تقع في الأراضي الوسطى وشمال انجلترا – عادة فى الدوائر الانتخابية التي صوتت للمحافظين لأول مرة في انتخابات ديسمبر الماضي، وكل يوم تأخير إضافي يزيد عدم اليقين للشركات.
وتم إنجاز الجزء الأكبر من الصفقة، ويكمن الطريق للاتفاق النهائي بالتأكيد في مزيد من التنازلات من جانب لندن فيما يتعلق بما يطلق عليه بنود “الملعب المتساوى” المتعلقة بالمساعدات الحكومية والمعايير البيئية والعمالة، ومن جانب بروكسل ينبغى التنازل عن مطالب الدخول الكامل لأساطيل الصيد الأوروبية للمياه الإقليمية لبريطانيا، والآن مع رحيل كامينجز، سيكون من المعقول بالنسبة لبريطانيا أن تقبل فوائد امتلاك نظام مساعدات حكومي مستقل مشابه لذلك في الاتحاد الأوروبي يرأسه مشرع مستقل ملزم قانوناً من المحاكم البريطانية.
والتوصل لآلية مقبولة من الطرفين لحل النزاعات سيضمن أن أياً من الطرفين لن يُظلم، نتيجة الأفعال غير العادلة للطرف الآخر، ويتعين على الاتحاد الأوروبي الموافقة أيضاً على التحول التدريجى من اتفاقات الصيد القائمة ربما من خلال حصص يتم تجديدها على فترات أقل تواتراً من تلك التي طالبت بها بريطانيا.
وسيكون تأمين تلك التنازلات أمراً صعباً طالما أن الطرفين متباعدين فلسفياً، ومع ذلك، فإن الجائزة كبيرة وتتمثل في ضمان استمرار التجارة بشكل منظم وسط الدمار الذي يلحقه فيروس كورونا بجانب طي أخيراً الصفحة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبالنسبة لمحاولات جونسون في إعادة توجيه حكومته المضطربة، عليه أن يحكم قبضته عليها بكلتا يديه.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية