مدريد وروما الأكثر توقعا للحصول على أكبر مساعدات من الاتحاد الأوروبى.. هل سينفقونها بفاعلية؟
قضت إسبانيا الأعوام التالية للانهيار المالى العالمى محاولة أن تبدو أقل شبها بإيطاليا، الحلقة الأضعف فى اقتصاد منطقة اليورو، ثم جاءت جائحة فيروس كورونا، التى أدت إلى إغراق البلاد فى أعمق ركود اقتصادى فى منطقة اليورو وأصبحت ماليتها العامة فى حالة يرثى لها.
وتهدد الاستجابة الاقتصادية المجزأة لحكومة الأقلية بقيادة رئيس الوزراء الاشتراكى بيدرو سانشيز بدفع الاقتصاد إلى فخ إيطالى يتسم بنمو متباطئ وديون مرتفعة بشكل كبير.
وقال فرناندو فرنانديز، أستاذ الاقتصاد فى كلية “آي.إي” لإدارة الأعمال فى مدريد: “تواجه إسبانيا خطرا شديدا من التطبع بإيطاليا، فقد اتخذنا رد فعل فى المرة الأخيرة التى واجهنا فيها أزمة كبيرة، لكن الآن ليس هناك مناقشات جادة بشأن الإصلاحات الاقتصادية التى يحتاجها هذا البلد، فضلا عن ارتفاع مخاطر خسارة الفرصة بشكل كبير”.
وذكرت وكالة أنباء “بلومبرج” أن القلق بشأن المستقبل يطارد الشركات الآن فى جميع أنحاء البلاد، حيث ترتفع نسبة الشركات الصغيرة التى تشعر بالقلق تجاه قدرتها على الاحتفاظ بالموظفين وتغطية القروض بشكل أكثر مما هى عليه فى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
ويقول الاقتصاديون إن إسبانيا بحاجة إلى إصلاح سوق العمل المضطرب، الذى عانى لأعوام من أحد أعلى معدلات البطالة فى أوروبا، كما أنهم يطالبون بإجراء تغييرات من شأنها أن تسهل على الشركات النمو وتوظيف المزيد من الموظفين.
وأوضحت “بلومبرج” أن إسبانيا تمتلك عددا من أصغر الشركات فى المنطقة، مما يجعلها أكثر عرضة للمخاطر المالية والافتقار للقدرة على تحمل صدمة الوباء.
وأشار بابلو هيرنانديز دى كوس، عضو مجلس محافظى البنك المركزى الأوروبي، الشهر الماضي، إلى أن إسبانيا بحاجة ملحة لوضع أجندة إصلاحات هيكلية طموحة.
ويقود رئيس الوزراء الإسبانى سانشيز حكومة ضعيفة تكافح من أجل أشياء أساسية، مثل إقرار موازنة عام 2021، مما آثار المخاوف تجاه قدرته على إجراء تغييرات راسخة لإصلاح الأجزاء المهشمة من الاقتصاد ومنع البلاد من الخضوع لهذا النوع من الوعكات الذى حول إيطاليا إلى عبء طويل الأجل على منطقة اليورو.
ومن المنتظر تلقى كلا من إسبانيا وإيطاليا دفعة مالية كبيرة ابتداء من العام المقبل، أى عندما يبدأ الاتحاد الأوروبى فى تحويل مليارات اليورو إلى الدول الأعضاء، كجزء من حزمة مساعدات تاريخية اتفق عليها الأعضاء خلال العام الجاري.
والجدير بالذكر أن اقتصاد البلدين سيكون أكبر الجهات الحاصلة على الدعم الأوروبي، خاصة أن كلاهما كان يعانى من وضع مالى غير مستقر حتى قبل تفشى الوباء، لكنهما يعانيان أيضا من سجل حافل بعدم إنفاق أموال الاتحاد الأوروبى بشكل فعال، لذا قام الاقتصاديون وقادة الأعمال فى إسبانيا بالضغط على المسؤولين لوضع خطط مفصلة لضمان ظهور تأثير ملموس للحافز الأوروبى على المدى الطويل.
ويأخذ المستثمرون آفاق التحدى بعين الاعتبار، فقد تقلصت الفجوة بين عائدات السندات الإسبانية والإيطالية هذا العام، كما أن أداء مؤشر الأسهم القياسى فى إسبانيا كان دون المستوى بين دول منطقة اليورو الرئيسية.
وبينما يسعى رئيس الوزراء سانشيز لمعالجة المشكلات طويلة الأجل، فإنه يواجه أيضا تحدى أكثر إلحاحا يتمثل فى إخراج الاقتصاد من حفرة عميقة، حيث يتوقع انكماش اقتصاد إسبانيا بنسبة 12% هذا العام ثم سيستعيد بالكاد نصف هذه الخسارة فى عام 2021، كما ترتفع أعباء الديون ويتوقع أن تقترب معدلات البطالة من 20% على الأقل خلال العامين المقبلين.
وعلى الرغم من الصعوبات التى تواجهها، إلا أن التوقعات متوسطة المدى الخاصة بمدريد لا تزال أقل كآبة من تلك الخاصة بروما، حيث ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى لإيطاليا بشكل أعلى بكثير، كما أن اقتصاد البلاد كان ينمو بصعوبة حتى قبل الوباء.
وفى هذا الصدد، يقول إجناسيو دى لا توري، كبير الاقتصاديين لدى “أركانو بارتنرز” فى مدريد، إن إنتاجية الفرد فى إيطاليا- وهى المحرك الحاسم للنمو الاقتصادي- من المرجح أن تظل أقل من إسبانيا فى أعقاب الوباء، لكنه يشعر بالتفاؤل إلى حد ما ويتوقع نموا بنسبة 11% تقريبا العام المقبل، وهو ما يزيد عن الـ 9% التى توقعها البنك المركزى الإيطالي.
وفى الوقت نفسه، تشعر مؤسسة “جولدمان ساكس” الأمريكية للخدمات المالية والاستثمارية بالتفاؤل بشأن إسبانيا أكثر من إيطاليا على المدى المتوسط، مستشهدة بخطط الاستثمار السابقة، فضلا عن النمو المحتمل واستدامة الديون.
وكتب الاقتصاديون فى “جولدمان ساكس”، بقيادة سفين جارى ستين، هذا الأسبوع، أن قدرة الدول على استخدام صندوق التعافى الأوروبى لتعزيز النمو ستكون العامل الحاسم الذى يجب مراقبته فى الأشهر المقبلة.
ولكن بالنسبة للكثيرين فى إسبانيا، هناك شعور غير مرحب به يتعلق بربط أوهام الرؤية المسبقة “ديجا فو” مرة أخرى بإيطاليا، فقد عانى كلا البلدين، قبل عقد من الزمن، من أزمة الديون التى كادت أن تمزق منطقة اليورو.
وعندما هددت الأزمة العقارية بالإطاحة بالنظام المصرفى الإسبانى فى عام 2012، طلبت الحكومة خطة إنقاذ واتجهت لإجراء إصلاحات غير شعبية فى قطاعها المالى وسوق العمل، مما يدل على أن مدريد يمكن أن تتخذ قرارات صعبة، وبالتالى ساعد هذا التحول فى تعزيز أكثر من نصف عقد من النمو الاقتصادى القوى وتعزيز ثقة السوق، ولكن على النقيض من ذلك، تعثرت إيطاليا وتراجع الاقتصاد.
ووصل الناتج المحلى الإجمالى لإسبانيا إلى مستوى ما قبل الأزمة فى عام 2017، وهى لحظة رمزية رحب بها المعلقون السياسيون والاقتصاديون الإسبان، بينما كانت إيطاليا لا تزال بعيدة عن الواقع.
وحصل رئيس الوزراء الإسبانى السابق ماريانو راخوى على دعم غالبية المشرعين فى عام 2012، لكن سانشيز فى موقف أضعف بكثير، حيث يتحدث بعض الوزراء عن تراجعه عن تغييرات سوق العمل التى أقدم راخوى على تطبيقها، والتى لا يحبها العديد من الناخبين ذوى الميول اليسارية، لذا دعا الاقتصاديون المشرعين إلى تحسين تغييرات سوق العمل بدلا من التراجع عنها.