مع اقتراب موعد توافر لقاح “كوفيد-19” على نطاق واسع، أعلن كل من صانع الأدوية الإنجليزي السويدي “أسترازينيكا”، وجامعة أكسفورد، مؤخراً عن نتائج اللكمات التى تعرضا لها، إذ يبتعد الرؤساء والمستثمرون عن الصراع الفوري للتغلب على الوباء وينظرون بدلاً من ذلك إلى الصورة التنافسية الأطول أمداً.
من الفائز ومن الخاسر؟
الأمر كالفيروسات تماماً.. فعادة ما تأتي فترات الركود للأضعف أولاً، فالشركات ذات الميزانيات السيئة أو الهوامش الضعيفة تستسلم سريعاً، ونظراً لأن الشركات الناشئة الواعدة أصبحت شركات مغلقة ومحطمة، فغالباً ما يكون شاغلو المناصب الكبرى هم الذين يملكون الموارد اللازمة للانتظار.
ومع ذلك، كان الركود الناجم عن تفشي “كوفيد-19” أكثر حدة من المعتاد وأكثر تعقيداً، فمن المتوقع انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة تزيد على 4% خلال العام الحالي، وهو أعمق انكماش اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، ولايزال هناك خطر حدوث ركود مزدوج الرقم.
وأفادت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية، بأن عمليات الإنقاذ وحزم التحفيز التي قدمها البنك المركزى، والتزام كل من البنوك وأصحاب العقارات بالصبر، ساهمت في إبطاء عملية التدمير الإبداعي وخفضت عدد حالات التعثر في السداد.
وفي الوقت نفسه، يتسبب التباعد الاجتماعي في إهدار بعض الصناعات، في حين ساهم في تعزيز صناعات أخرى، إذ يخلق الناس طرقاً جديدة للقيام بالأشياء القديمة.
ونتيجة لذلك، فإن النمط الطبيعي الذي تكتسب فيه الشركات القوية نفوذاً أكبر يعتبر أقل تأكيداً، مما قد يمكن توقعه حتى الآن، وبالتالي فإن المستثمرين يكافحون للسيطرة على مثل هذه النظرة غير العادية.
وبشكل عام، يعتبر هذا الأمر هو السبب بشكل جزئي في تسبب الأخبار المتعلقة باللقاحات خلال الأسابيع القليلة الماضية- رغم توقعها- في حدوث تقلبات في الأسواق المالية، ويراهن مديرو الصناديق بشكل أكبر على الشركات التي كانوا يخشون التواصل معها قبل أسابيع قليلة فقط.
إذاً.. ما هي الطريقة الجيدة التي يمكن اتباعها لتقييم الرابحين والخاسرين؟
في العديد من الشركات، سيظل شاغلو الوظائف في القمة، نظراً لإثبات صناعتهم بأكملها فكرة أنها محصنة ضد الاضطرابات من خلال استخدام شبكات الإنترنت. وثمة حالات أخرى سيفوز فيها شاغلو الوظائف، ولكن لأنهم استطاعوا إتقان الابتكارات الرقمية الجديدة.
وتعتبر صناعة الموسيقى الحية، واحدة من الصناعات التي تأثرت تماماً بتفشي الوباء، فقد شهدت شركة “لايف نيشن”، أكبر منظم للحفلات الموسيقية، انخفاضاً بنسبة 95% في مبيعاتها، مقارنة بالعام الماضي، وذلك في ظل حظر الحفلات الموسيقية والمهرجانات.
ولكن بشكل عام لم تتعطل صناعة الموسيقى الحية بل إنها وضعت في حالة جمود عميق لحين عودة الحياة إلى طبيعتها، نظراً لعدم قدرتها على الاستمرار في العمل عبر الإنترنت.
وثمة عدة صناعات أخرى، منها السفر الجوي، لا يمكنها نقل أعمالها عبر الإنترنت، وبالتالي فإن موازنات شركات الطيران ستواجه أضراراً جسيمة هذا العام، فقد وصل إجمالي ديونها إلى نصف تريليون دولار، وبالتالي فإن الشركات التى نجت ستجد أن السماء أصبحت أقل ازدحاماً.
فى أماكن أخرى، كان هناك المزيد من الاضطرابات الرقمية، لكن بعض الشركات استطاعت تحقيق استفادة، إذ تحول الإعلان ليصبح عبر شبكات الإنترنت، التي تطبق خلالها قواعد احتكار شركتي “فيسبوك” و”جوجل”.
وأصبحت نتيجة هذا الاضطراب، اعتماد الناس بشكل أكثر من أى وقت مضى على شركات التكنولوجيا الكبرى التي تقدم خدمات سحابية، ورغم أن الوباء سيحدث تغييراً دائماً فى جميع هذه الصناعات، إلا أن الأسماء السائدة فى كل منها ستكون مألوفة.
ما هي الصورة المتعلقة بالاقتصاد ككل؟
إذا نظرت إلى سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة، ستجد تفوق أسهم أكبر الشركات من حيث المبيعات خلال العام الحالي، ولكن ذلك كان في 33 من أصل 59 صناعة فقط، وبمتوسط هامش ربع يبلغ 2% فقط.
ومع ذلك، لاتزال المعركة مشتعلة من أجل تحقيق التفوق في العديد من المناطق، فعلى سبيل المثال، ارتفعت مبيعات التجارة الإلكترونية الخاصة بشركة “أمازون” الأمريكية، لكنها تواجه منافسة متجددة نتيجة عمل شركة البيع بالتجزئة “وول مارت” عبر الإنترنت وشركة “سبوتيفاي” الرقمية التى نمت بشكل مفاجئ.
وتسبب تفشى وباء “كوفيد-19” في حدوث أضرار اقتصادية على نطاق واسع.. لكنه فرض، في الوقت نفسه، تغييرات سريعة على العديد من الصناعات، الأمر الذي أدى بدوره إلى ابتكار من شأنه الاستمرار حتى بعد الوباء، وربما يترك هذا التغير شاغلي الوظائف، فى بعض الحالات، أقل قوة من ذي قبل.
ويجب أن يأمل المستهلكون وصناع الثقة، على حد سواء، في أن تظل هذه الأجزاء التنافسية الجديدة من الاقتصاد موضع نزاع ساخن بعد فترة طويلة من انحسار الوباء.