تأمل الحكومات حول العالم فى أن الوصول الوشيك للعديد من الأمصال الواعدة سيبشر بنهاية وباء “كوفيد 19″، ومع ذلك، سوف يعاق أى تعافى اقتصادى – بشكل خطير فى بعض الحالات – بسبب نفس التدابير التى استخدمها الساسة لدعم الشركات خلال ذروة أزمة فيروس كورونا.
وساعدت تدابير الدعم فى صورة القروض والمنح وكذلك المحفزات النقدية على استمرار بقاء الشركات، ورغم أن هذه التدبير قدمت شريان الحياة المطلوب بشدة، فهى تخفى الوقع الكئيب المتنامى: جبل ديون الشركات، وبمجرد أن يتم سحب الدعم الحكومى، سوف تصبح الكثير من الشركات غير قادرة على تحمل سداد الديون التى أخذوها للنجاة.
وسوف تشعر الشركات من جميع القطاعات بهذا الضغط المالى سواء كانت الشركة فى وضع جيد قبل فيروس كورونا أو تلك التى كانت مثقلة بالديون بالفعل.
وبحلول يوليو الماضى، كانت الشركات فى الولايات المتحدة تدين برقم قياسى عند 10 تريليونات دولار، أى ما يعادل 49% من الناتج الاقتصادى، وإذا أضفنا أشكال ديون الشركات الأخرى بما فى ذلك الشراكات والشركات الصغيرة سوف يرتفع هذا الرقم إلى 17 تريليون دولار.
والصورة مشابهة فى بريطانيا حيث أظهر تحليل مؤقت أجرته المنظمة التجارية، “ذا سيتى يو كيه” أن الديون الخطيرة التى تمتلكها الشركات الخاصة قد تصل إلى 105 مليار جنيه استرلينى بحلول 2021، وحذر صندوق الإحصاءات الوطنية الشهر الماضى من أن 43% من الشركات تدير احتياطيات تكفيها لأقل من 6 أشهر.
وسوف تساعد أسعار الفائدة المنخفضة الحالية على تمكن الشركات من سداد ديونهم على المدى القصير، ولكن تكمن المخاطر فى أن معدلات الاستدانة الأعلى قد تجعل الشركات أقل احتمالا للارتفاع المفاجئ فى أسعار الفائدة أو لصدمات الأرباح، وبالتالى فإن مخاطر استمرار الركود لفترة طويلة تزداد بسبب أعباء الديون المفرطة للشركات والتى ستجعلهم غير قادرين على التوظيف أو الاستثمار.
وبداية، يتعين على الشركات – كلما أمكن – أن يستعينوا بالسوق لإصلاح ميزانياتهم، وأحد الأمثلة على ذلك، شركة “رولز رويس”، صانعة محركات الطائرات، التى انهارت إيراداتها مع إيقاف حركة الطائرات والتى جمعت 2 مليار دولار من خلال إصدار حقوق اكتتاب فى أسهم إضافية.
ويتعين على الحكومات التفكير فى تدابير لدعم الحلول السوقية خاصة بالنظر إلى المخاطر العالية لتعثر الشركات المتوسطة والأصغر حجما، وأثيرت مخاوف بالفعل من تركز القوة السوقية بين الشركات الأكبر.
ومن الأهمية استحداث نهج مرن لتدابير الإفلاس، وتحتاج الشركة إلى متنفس لإعادة هيكلة ديونها، وينبغى أن يكون الهدف هو القضاء على الديون المفرطة دون كبت النشاط الإنتاجى، وقامت الحكومة الألمانية على سبيل المثال بتعليق وجوب التقدم بطلب إفلاس لبعض الشركات حتى نهاية العام.
وربما هناك حاجة أيضا لتحركات مباشرة أكثر من قبل صناع السياسة، وأحدها يمكن أن يكون مقايضات الديون بأسهم وهو ما سيسمح للحكومات بالحصول على حصة فى شركة نتيجة الدعم السابق.
وأحد الحلول الأخرى قد يكون عبر الاستثمار المباشر فى الشركات باستخدام صندوق ثروة سيادى، وأسست ألمانيا صندوق استقرار اقتصادى بقيمة 100 مليار يورو لديه الصلاحية لشراء حصص بشكل مباشر فى الشركات المتعثرة.
وسوف يتطلب كلا النهجان مؤسسة مستقلة التشغيل ذات إدارة خبيرة، كما يتعين وضع شروط صارمة لتهدئة المخاوف بشأن تكرار حزم إنقاذ البنوك أثناء الأزمة المالية العالمية فى 2008.
وبفضل الوباء، تلعب الحكومات دورا أكبر فى الاقتصاد، وربنا يذهب ذلك عكس اتجاه الفكر التقليدى للسوق الحر، ومن المفترض أن يكون المستثمرون من القطاع الخاص قادرين على دعم الشركات القابلة للحياة بل وراغبين فى ذلك، ولكن بالنظر إلى حجم أزمة اليوم، تستحق هياكل الدعم الحكومية التى تبقى الشركات الصحيحة من حيث الأسس على قيد الحياة – وتعطى دافعى الضرائب أيضا فرصة للعائد – الدراسة.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية