15 مليون وظيفة بين الشباب يمكن فقدانها فى المنطقة
ترسل انطلاقة آسيا المبكرة فى التعافى الاقتصادى من جائحة «كوفيد- 19» إشارات تحذيرية إلى بقية العالم، إذ لا يرجح تغير أوجه عدم المساواة المتفاقمة؛ بسبب الوباء فى أى وقت قريب.
وحتى مع تسارع وتيرة تعافى المنطقة، يجد عديد من العمال، الذين فقدوا وظائفهم فى بداية الأزمة، أنفسهم عالقين فى مناصب جديدة ذات أجور أقل.
ويحذر الاقتصاديون من التحول الدائم نحو الاقتصاد الرقمى، الذى سيخلق فرصاً، وسيخاطر أيضاً بتأجيج الانقسامات، ما لم تضخ الحكومات مزيداً من الاستثمار فى القوى العاملة.
ويقول بنك التنمية الآسيوى ومنظمة العمل الدولية، إنَّ ما يصل إلى 15 مليون وظيفة للمراهقين والشباب فى المنطقة يمكن فقدانها هذا العام.
وتعتبر آسيا مقياساً مهماً بالنسبة للاقتصاد العالمى؛ لأنها تمثل أكثر من ثلثى النمو العالمى فى عام 2019، وتعتبر موطناً لغالبية أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً.
وبدأت آسيا فى التعافى من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير مبكراً، مقارنة بمعظم دول الغرب، ومدفوعة بالتعافى السريع فى الصين، بحسب وكالة أنباء «بلومبرج».
وقال أديتيا ماتو، كبير الاقتصاديين لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ لدى البنك الدولى، إنَّ الخطر الأكبر الآن يدور حول ازدياد أوجه عدم المساواة سوءاً، خاصة عندما تتفاعل الأزمة مع التغيرات التكنولوجية.
وحتى أولئك الذين تمكنوا من التكيف غير متأكدين من المستقبل، ففى جاكرتا، انتقلت فانى فيبيانتى، 38 عاماً، بشكل غير متوقع إلى تربية سمك السلور فى ظل مكافحتها للحفاظ على نشاط العلاقات العامة الذى تديره مع زوجها، ومن الواضح لها بالفعل أن التعافى سيستغرق بعض الوقت.
وتقول “فيبيانتى”: «لم نعد قادرين على تحديد سعر ثابت مقابل خدماتنا، وبالتالى نخبر عملاءنا المحتملين: كم من المال لديك وسنساعدك، النجاة هى الأمر المهم الآن»، مضيفة: «لقد تغيرت الحياة واضطررنا لخفض نفقاتنا».
وتتكرر قصص مماثلة فى آسيا، فقد كان العمال الشباب، خاصة النساء والفقراء، هم الأكثر تضرراً.
وحذر البنك الدولى من أن صدمة «كوفيد- 19» تخلق فئة من الفقراء الجدد فى جميع أنحاء شرق آسيا والمحيط الهادئ، متوقعاً وقوع 38 مليون شخص إضافى تحت خط الفقر.
انتعاش الصين
فى الصين، الاقتصاد الرئيسى الوحيد فى العالم الذى يتوقع نموه هذا العام، يستغرق سوق العمل وقتاً للتعافى.
ويواجه التصنيع، الذى يقود الانتعاش مع ارتفاع الطلب العالمى على السلع الآسيوية ذات التكلفة الزهيدة، تهديداً خاصاً؛ حيث أظهر تحليل أجراه صندوق النقد الدولى، أنَّ الصدمات الاقتصادية تؤدى إلى زيادة عدد المصانع التى تتحول إلى الإنتاج الآلى، ما يعنى أن آسيا معرضة لضربة كبيرة مع ارتفاع كثافة الروبوتات بسرعة من قاعدة منخفضة.
وهذا هو أحد الأسباب التى تجعل صانعى السياسات، بما فى ذلك البنوك المركزية التى فتحت المجال أمام دعم غير مسبوق لاقتصاداتها، يحذرون من أن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات اللازمة لمنع فجوة عدم المساواة من التوسع بشكل أكثر.
الاقتصاد الرقمى
وهناك نقطة مضيئة واحدة؛ حيث تعمل الأزمة على تسريع وتيرة تنمية الاقتصاد الرقمى الذى سيوفر فرصاً أمام العاملين المرنين فى مجال التكنولوجيا، خاصة فى التجارة الإلكترونية، كما أنه يوفر حماية لأولئك الموجودين بالفعل فى هذا القطاع.
ومع ذلك، كانت الاضطرابات التى ظهرت فى مجال التكنولوجيا خلال العام الحالى صعبة بالنسبة لبعض العمال.
وفى حين أن أولئك الذين يتمتعون بالمهارات المناسبة سيكونون هم المستفيدين بشكل أكبر من قطاع التكنولوجيا، سيتخلف أولئك الذين يفتقرون إليها عن الركب.
وذكرت «بلومبرج»، أنَّ آثار إغلاق المدارس فى آسيا سيستغرق سنوات لتتضح تماماً، وقد يؤدى الافتقار إلى شبكات الأمان الاجتماعى إلى تفاقم الوضع السيئ، وستكون الفتيات الفئة المعرضة للتأثر بشكل خاص.
وقالت بريانكا كيشور، رئيسة قسم الاقتصاد فى الهند وجنوب شرق آسيا لدى «أكسفورد إيكونوميكس» فى سنغافورة، إنَّ العديد من العمال الشباب، خاصة النساء، يعملون فى سوق العمل غير الرسمى، ما يعنى أنهم غير مؤهلين للحصول على حزم التحفيز والدعم الحكومية، كما يمكن أن يعانى العمال انخفاض دخلهم لفترة زمنية أطول.
وأضاف: «هذا الأمر يصعب على الحكومة أيضاً التوصل إلى سياسات تستهدف دعم توظيف الشباب فى آسيا الناشئة».
وأشارت الوكالة الأمريكية إلى أن معالجة الفجوة الرقمية ستحدد كيف يمكن للعمال الشباب فى آسيا التعافى من فقدان التعليم والوظائف ونوع الاتصال الاجتماعى فى إحدى مراحل حياتهم، وهو الأمر الذى يعتبر بالغ الأهمية لتطورهم.
وقالت جيتا جوبيناث، كبيرة الاقتصاديين فى صندوق النقد الدولى: «لدينا جيل من الطلاب الذين تأثروا بفقدان التعليم».
وأضافت: «سوق العمل يتعافى بقوة فى بعض الأماكن، لكن إذا نظرت إلى العمال منخفضى الدخل، وإلى النساء، وإلى العمال الشباب، فإنهم يتضررون بشدة».
انعدام اليقين بشأن اللقاح
رغم التفاؤل بشأن اللقاحات الفعالة، فإنَّ هناك تعقيدات فى التوزيع عبر آسيا، وخاصة فى الاقتصادات الأقل نمواً، وبالتالى فإن انعدام اليقين بشأن اللقاح يلقى بثقله على أصحاب الأعمال وخططهم للتوظيف والاستثمار.
ويقول إيان فيلارويل، صاحب الـ28 عاماً، الذى يدير استوديو مغلقاً لركوب الدراجات فى مانيلا، إنَّ الصالات الرياضية سُمح لها بالعمل مرة أخرى بسعة محدودة، ولكنَّ الكثيرين لا يزالون يفضلون ممارسة التمارين الرياضية فى المنزل، معرباً عن قلقه بشأن إمكانية تشكيل القطاع بفعل خفض الأجور وحذر المزيد من المستهلكين.
وتمتلك سانيوكتا جارج، التى تدير مع زوجها شيرانتان شركة نسيج من نيودلهى، نظرة مماثلة، فقد انخفضت مبيعات أعمالهما التجارية بنسبة 80% هذا العام، مقارنة بنمو سنوى يتراوح بين 7% و8% قبل تفشى الوباء، ولكنها تراهن على إمكانية تغير الأمور بفضل اللقاح.