تحديد الاقتصاد الأفضل أداء، ليس سهلاً، والمصنفون وفقاً لدخل الفرد وفي أعلى القائمة، هي الدول التي تقدم مميزات ضريبية لجذب الشركات (لوكسمبرج وآيرلندا وسنغافورة) أو تلك الغنية بالوقود الأحفوري (النرويج والإمارات وقطر).
وترفع مقاييس أخرى، مثل مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، دولا أخرى لأعلى التصنيف.
ولا تزال النرويج وآيرلندا تأتيان في المقدمة.
أما دول شمال أوروبا مثل السويد وألمانيا فتحرز تقدماً، كما تفعل الدول الغنية الناطقة بالإنجليزية مثل استراليا وكندا ونيوزيلندا.
وتعد تلك المقاييس مهمة وليس فقط بسبب أنهم يكشفون شيئا جديدا بشأن العالم، ولكن لأنهم يستطيعوا تغيير منظورنا.
وكما يقول المثل “ما يمكن عده يضيف إضافة”.
وفي زمن يركز على التصنيفات وقياس الأداء، أصبحت المؤشرات تركز على العقول.
وتكمن الفكرة في مؤشر الأمم المتحدة، في عامه الثلاثون الآن، على تقديم منظور مختلف للتقدم الاقتصادي.
وبدلا من بساطة قياس القدرة على إنتاج الأشياء ينظر دليل التنمية البشرية إلى ما تحققه الدولة.
فإلى جانب قياس الدخل القومي، يتضمن المؤشر نتائج متوسط العمر الصحي المتوقع والنتائج التعليمية.
ويهز أحدث تعديل لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمؤشر التنمية البشرية ترتيب الدول مجددا.
ويتضمن أحدث تقرير لعام 2020 والصادر يوم الخميس، والذي يغطي التقدم المحرز على الجانب البشري في 2019 ، تصنيفا يحتسب تأثير الدول على الكوكب .
وهو أمر ، حسبما يقول مؤلفو التقرير ، يعدل المؤشر ليتماشى مع عصر الأنثروبوسين ، وهي حقبة جيولوجية جديدة مقترحة تعكس كيف يغير البشر عالمهم.
ومن خلال احتساب انبعاثات الكربون والبصمة المادية للاقتصاد – حجم المواد الخام المستخدمة مقسوماً على عدد السكان – أصبح مؤشر الأمم المتحدة الإنمائي يأخذ في الاعتبار الضغوط على الكوكب.
وتعد التأثيرات أكبر من قبل أغنى الدول.
وطرحت التعديلات، النرويج بعيداً عن المركز المرتفع الذي كانت لتحتله، وأدى تأثير إنتاجها الكبير للبترول على الكوكب إلى تراجعها 15 مركزا، وهو ليس تراجعا حادا مثل ذلك الذي شهدته استراليا المنتجة للفحم، التي هبطت 72 مركزا، أو سنغافورة التي فقدت 92 مركزا، وكان أداء الولايات المتحدة وكندا سيئاً أيضاً.
وفي الواقع، تراجع جميع مصدري الوقود الأحفوري مثل الإمارات وقطر وكازاخستان بحدة، وكانت لوكسمبرج الخاسر الأكبر نظراً لأن اقتصادها القائم على النقل يستخدم الكثير من الموارد المادية مقارنة بعدد سكانها، وهبطت الدوقية الكبرى 131 مركزا.
ولم يرتفع مجموع أي دولة في مؤشر التنمية البشرية، بسبب أن جميع الدول تقوم على الأقل ببعض الضرر للبيئة، ولكن بعض الدول الغنية – فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والإمارات والبرتغال – اكتسبت مراكز في الجدول المعدل بفضل النسبة المنخفضة نسبياً للوقود الأحفوري في مزيج طاقتهم، بجانب قيام اقتصاداتها على قطاع الخدمات الذي يستخدم مواد خام أقل.
ويعد مؤشر التنمية البشرية المعدل، ليشمل التأثير على الكوكب، هو أحدث المحاولات لتحديث حساب مجموع الدول وتقديم مفهوم أوسع للرفاهية وليس فقط مستوى الرخاء ، وإنما مدى استدامته في المستقبل.
ويبحث عالم الشركات أيضا عن طرق جديدة للمساءلة والتي تعكس أهدافاً اجتماعية أوسع.
وتحسب مبادرة نتائج التأثير المرجحة من مجلة “هارفارد بيزنس ريفيو”، قدر قيمة الاقتصادات في حالة دفع التكلفة الكاملة للضرر الاقتصادي الذي يتسببون فيه، ووجدت أن العديد من الاقتصادات ستمحى مكاسبها بالكامل.
وفي عام ، ذهب جيف بيزوس، المدير التنفيذي لشركة “أمازون دوت كوم إنك”، من المركز الأول إلى المركز الـ87 في تصنيف المجلة لأفضل المديرين التنفيذين أداء بعد تطبيق معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات على أعماله.
ويعد تحديد من ينتمي إلى القمة أمر صعب، في حين أن المطلوب للصعود إلى هناك أصعب بكثير.
بقلم: افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.