واصل الذهب أداءه المتميز في البداية بينما تراجع النفط، أثناء تفشي كوفيد-19 خلال عام 2020، ورغم تراجع الذهب وتعافي النفط منذ ذلك الحين، فإن الموجة الثانية من الإصابات قد تشكل ضغطاً كبيراً على أنظمة الرعاية الصحية وتؤدي لتطبيق مزيد من إجراءات الإغلاق، وقد يؤدي التعافي المتقطع والمشوب بالحذر إلى تعقيد المشهد مجدداً.
واستهل سوق النفط العام الجاري متأثراً بالتوترات في فنزويلا والنزاع بين الولايات المتحدة وإيران إضافة إلى تداعيات أزمة كوفيد-19، وقد توقع قليل من المحللين توقف الاقتصادات الكبرى نتيجة لذلك.
ومن جهة ثانية، واصلت منظمة أوبك بلس والمنتجون المستقلون وغيرهم من كبار منتجي النفط، الالتزام بخفض الإمدادات، ما أدى لنشوب حرب أسعار.
وتراجعت أسعار النفط وسجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط مستويات انخفاض قياسي، حيث وصلت إلى أسعار أدنى من الصفر لفترة وجيزة في أبريل. وانتعشت الأسعار منذ ذلك الحين، لتحوم حول 40 دولاراً للبرميل.
آفاق السلع الأساسية
عند تقييم التوقعات، من المهم أن نستذكر بأن أسعار السلع الأساسية لن تحقق نمواً من العدم، بل تعكس مستويات العرض والطلب ومخزون النفط. وبالنسبة للجانب المتعلق بالعرض، ينبغي مراعاة عاملين رئيسيين وهما: خفض الإمدادات المفروضة ذاتياً لمنظمة أوبك بلس ومدى تأثير انخفاض أسعار النفط على السلامة المالية للمنتجين الآخرين.
وعند انهيار أسعار خام غرب تكساس الوسيط ووصول أسعار خام برنت القياسي في المملكة المتحدة إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2002، وافقت منظمة أوبك بلس على خفض الإمدادات بمقدار 10 ملايين برميل يومياً في شهري مايو ويونيو (أعلنت المملكة العربية السعودية عن تخفيض طوعي بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً).
ومع تواصل تخفيض الإنتاج بمقدار 7.7 مليون برميل يومياً حتى نهاية عام 2020، تلتزم مجموعة أوبك بلس باحتمال تطبيق تخفيضات إضافية إذا اقتضى الوضع ذلك خلال عام 2021.
ورغم أن منظمة أوبك بلس تستحوذ بالاهتمام الأكبر كمجموعة عندما يتعلق الأمر بالإنتاج، إلا أنها تنتج أقل من 50% من النفط الخام، ومع ظهور النفط الصخري خلال العقد الماضي، أصبحت الولايات المتحدة أكبر دولة منتجة، وهي تنتج الآن، مع أعضاء آخرين من خارج المنظمة، نفطاً أكثر من المجموعة، ويتم تحديد مستويات الإنتاج في تلك الدول وفق الحوافز الاقتصادية.
ومع انخفاض أسعار خام برنت لأدنى مستوى لها منذ عام 2016، انخفض الإنتاج أيضاً ولا سيما في الولايات المتحدة. وتقدم الحفارات الأمريكية إنتاجاً أقل بكثير مقارنة مع بداية العام.
المخزونات
لم يكن انخفاض إنتاج النفط في الولايات المتحدة كبيراً بما يكفي لإعادة ضبط مخزونات النفط الخام الأمريكية بما يتماشى مع المعدل المتوسط خلال السنوات الخمس الماضية.
ورغم أن مستويات المخزون التجاري في الولايات المتحدة كانت متشابهة لتلك المسجلة في الربع الأول مقارنة مع المعدل المتوسط على مدى نصف العقد الماضي، كانت مخزونات النفط الخام بحلول شهر يوليو أعلى بنسبة 20% عن المعدل المتوسط لخمس سنوات، كما جاءت أعلى بنسبة 10% عن الحد الأقصى للمخزون في نفس النقطة على مدى السنوات الخمس الماضية.
وفي حين أن مستوى العرض يعتبر أقل من الطلب في سوق النفط الخام الأمريكي، فمن المرجح أن يتواصل تعديل حجم المخزونات خلال العام المقبل.
الذهب
من المرجح أن يكون الطلب الجانب الأكثر تقلباً في المعادلة على المدى القصير. وتعتقد منظمة أوبك أن كوفيد-19 أدى إلى خفض الطلب العالمي بمقدار 9.5 مليون برميل يومياً وسطياً خلال عام 2020.
ولكن بيانات وكالة الطاقة الدولية تظهر أن الطلب العالمي بين شهري يناير ويوليو انخفض بمقدار 10.5 مليون برميل يومياً مقارنة بالعام الماضي، وتغطي هذه الفترة إجراءات الاحتواء الصارمة التي فُرضت في أوروبا وعلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
ومع التوقعات بارتفاع الطلب في الربع الثالث، نرجح أن يتأثر الطلب بموجة الخريف من حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي دفعت عدة حكومات أوروبية لاستئناف الإغلاق حتى ديسمبر، وقد يستمر هذا التوجه خلال العام المقبل.
وتظهر المعطيات أن فترات الإغلاق ستكون أقصر وأقل صرامة مقارنة بتلك التي تم فرضها في الربيع، نظراً لقلة المعلومات المتوفرة في حينها عن المرض وطرق علاجه مقارنة بالفترة الحالية.
وقد يشير هذا إلى تسجيل طلب أقل قوة هذه المرة. علاوةً على ذلك، يظهر الاقتصاد الصيني بوادر تعافي قوية، ما قد يدعم الطلب العالمي مع الانتقال إلى عام 2021.
من ناحية أخرى، قد يؤدي النشاط الضعيف لرحلات الطيران وعدم تسجيل انتعاش ملموس إلى حين توافر اللقاح على نطاق واسع، إلى تأثير سلبي على السوق لفترة قد تمتد حتى النصف الثاني من العام المقبل.
ونتوقع بنهاية المطاف أن تكون أسعار النفط متقلبة ضمن نطاق محدود خلال الأشهر الـ12 القادمة، خاصة وأن تخفيضات العرض تعوض ضعف الطلب بشكل جزئي.
ومع ذلك، من المحتمل أن يواجه النفط مخاطر صعودية، وقد يبلغ متوسط سعر خام برنت حوالي 55 دولاراً للبرميل، مع احتمال أن يصل السعر بحلول نهاية عام 2021 إلى نحو 60 دولاراً للبرميل في ظل تسجيل انتعاش قوي.
الذهب: أداة تنويع دائمة
أدى مرض كوفيد-19 إلى تداعيات غير مسبوقة وفرض إجراءات إغلاق وتسجيل انكماش اقتصادي قياسي إضافة إلى دفع البنوك المركزية لخفض أسعار الفائدة، ولكن الذهب حافظ على أدائه المتميز خلال عام 2020، حيث قارب الذهب مستوى قياسي عند 2075 دولاراً للأونصة في أغسطس، ليستقر حالياً عند حوالي 2000 دولاراً للأونصة.
ولكن السؤال الأهم في هذا الإطار: هل يمكن للذهب، باعتباره أحد الملاذات الآمنة، أن يوفر للمستثمرين عوائد في عام 2021؟ بعد تطبيق إجراءات قياسية للتحفيز المالي والنقدي لهذا العام، قد يكون الاقتصاد في وضع يؤهله للاستفادة من السياسة المرنة المرتبطة بالتوسع الاقتصادي.
وإذا حدث ذلك بالتوازي مع استعادة المستهلكين للثقة في عالم ما بعد كوفيد-19، فقد يعاني الذهب من بعض التأثيرات، خاصة حينما يتطلع المستثمرون إلى رفع مخاطر المحافظ الاستثمارية؛ حيث شهد المعدن الأصفر أداءً متبايناً في السنوات التي أعقبت الأزمة الاقتصادية.
أداة الحفاظ على الثروة
تميز العام بأحداث كثيرة وسمات متنوعة لم نشهدها من قبل. وتبدو تكلفة فرصة حيازة الذهب (أو سعر الفائدة الحقيقي المعدل حسب التضخم) مقيدة بشدة بسبب عاملين رئيسين: أولاً، الاعتماد على تدابير الإنفاق يؤدي إلى تداعيات خاصة، ويعد التضخم المرتبط بالطلب أحدها؛ وثانياً، من المرجح أن تتساهل البنوك المركزية مع أي تجاوزات للتضخم بهدف تعزيز الانتعاش، والحفاظ على معدلات منخفضة لفترة أطول من المعتاد.
ويوفر الجانبان الدعم للاحتفاظ بالأصول غير المرتبطة بأسعار الفائدة، ومع التوقعات بتراجع الطلب من جانب المستثمرين، فإن الطلب التقديري للمستهلكين على المجوهرات (وعلى الأخص في الصين، التي سجلت انتعاشاً متسارعاً مقارنة بالعديد من الاقتصادات الأخرى)، يمكن أن يساعد في تعويض تلك التأثيرات لحدٍ ما.
ومع ذلك، سيبقى استئناف النشاط الاعتيادي في العالم مرهوناً باستئناف المستهلكين لعمليات الشراء العادية بمستويات مماثلة لما كانت قبل عليه أزمة كوفيد-19.
ويتم فرض تدابير احتواء من قبل الحكومات حتى وقت إعداد هذا التقرير، في ضوء ظهور الموجة الثانية لحالات الإصابة بمرض كوفيد-19 وخاصة في أوروبا.
ومع الترقب للموافقة على لقاح فعال والعمل على توفيره على نطاق واسع، ستبقى حالة انعدام اليقين قائمة، ما قد يوفر ظروفاً داعمة للذهب، وحيث يُستبعد أن يساهم الذهب في تعزيز النمو طويل الأمد، ولكنه سيحافظ على دوره كأداة تنويع قوية، ستساعد من وجهة نظرنا في الحفاظ على الثروات خلال فترات الاضطراب.