منطقة المحيطين الهندى والهادئ تشكل أفضل خيارات السياسة بالنسبة إلى لندن
من المحتم أن يكون خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى، الذى من المقرر أن يبدأ فى الأول من يناير 2021، وعرا، لكن من خلال تسليط الضوء على آسيا، يمكن للندن التعامل مع الاتهامات الموجهة إليها فيما يخص انحراف سياستها الخارجية فى الوقت الذى تعمل فيه على تعزيز مصالحها فى منطقة تحظى بفرصة للنجاح المبكر.
وباتباع نهج حريص، يمكن للمملكة المتحدة الفوز سريعا باتفاقات تجارية جديدة فى آسيا، بينما تعتبر نفسها لاعبا هاما ضمن تحالفات جديدة متعددة الأطراف يتم تشكيلها لموازنة التوسع فى الصين، بحسب ما ذكرته مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية.
وتعتبر اليابان، وهى مستثمر كبير فى المملكة المتحدة، مرشد هادئ لهذه العملية، فهى تعتبر أول اقتصاد رئيسى يوقع على اتفاق تجارى مع لندن بعد الخروج، ومؤيدا لطلبها الانضمام إلى الاتفاقية الشاملة للشراكة عبر المحيط الهادئ، والتى تضم 11 دولة.
لكن احتمالية وجود سياسة بريطانية جديدة فى آسيا تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، كما اتضح فى تقرير صادر عن مؤسسة “بوليسى إكستشينج” البحثية، والذى يتضمن مقدمة كتبها رئيس الوزراء اليابانى المتقاعد مؤخرا شينزو آبى، والتى كان مفادها كالآتى: “حقبة جديدة من التفكير الإبداعى وتوسيع الفرص الاقتصادية وتعزيز الاستقرار”.
وتحت عنوان “ميل بريطانى شديد نحو استراتيجية بريطانية جديدة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ”، تقول الورقة إن لندن بحاجة إلى تبنى نهجا ثنائى المسار فى آسيا، مع التركيز على الإزدهار والأمن، وهو الأمر الذى من شأنه الانطواء على وجود عسكرى بريطانى أكبر فى المحيطين الهندى والهادئ.
ولتحقيق ذلك، تعمل بريطانيا على زيادة مستوى الإنفاق الدفاعى بمقدار 21 مليار دولار على مدى الأربعة أعوام المقبلة، وهو ما يمثل زيادة حقيقية بنسبة تزيد عن 10%، وفقا لما ذكره معهد الخدمات “رويال يونايتد”.
وذكرت المجلة أن الوجود البريطانى الأكبر فى المحيطين الهندى والهادئ من شأنه تعزيز حجة الولايات المتحدة بأن التوترات الناشبة مع الصين تعتبر توترات دولية وليست ثنائية، وأن التحالفات متعددة الأطراف التى تهدف إلى الحد من التوسع الصينى أصبحت فى وضع قوى.
وفى الوقت الذى يمكن أن يكون فيه فوز الرئيس المنتخب حديثا جو بايدن بالانتخابات الأمريكية قد وجه ضربة لآمال المملكة المتحدة فى التوقيع بشكل سريع على اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، فإن الوجود البريطانى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ يمكن أن يساعد فى كسب تأييد الإدارة الأمريكية الجديدة.
وبدعم من اليابان وأستراليا ودول أخرى، تأمل المملكة المتحدة أن تنضم فى أقرب فرصة إلى الاتفاق الشامل والتقدمى للشراكة عبر المحيط الهادئ، والتى تقول وزيرة التجارة البريطانية ليز تروس إنها ستضع المملكة المتحدة فى مركز شبكة من الدول الملتزمة بالتجارة الحرة والقواعد العالمية التى تقوم عليها التجارة الدولية.
وذكر موقع “دويتشه فيله” الألمانى أن المملكة المتحدة تضاعف جهودها للتفاوض على اتفاقيات التجارة لاستبدال تلك التى تفاوضت عليها فى كتلة الاتحاد الأوروبى أو إبرام صفقات جديدة لتجنب الاضطرابات فى التجارة اعتبارا من 1 يناير.
ويذكر أن المملكة المتحدة وفيتنام أعلنتا مؤخرا الانتهاء من اتفاقية تجارة حرة ثنائية، وذلك بعد يوم من توقيع لندن على اتفاقية مماثلة مع سنغافورة، حيث سيحل الاتفاق مع هانوى مكان اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبى وفيتنام الحالية، مما يضمن عدم فقدان المملكة المتحدة الوصول إلى التعريفات التفضيلية فى أحد الاقتصادات الأسرع نموا والأكثر انفتاحا فى آسيا، ولم يتضح بعد متى سيتم توقيع الاتفاقية النهائية بين المملكة المتحدة وفيتنام، والتى يتوقع أن تدخل حيز التنفيذ فى الأول من يناير المقبل.
ومع ذلك، يشك المحللون فى إمكانية تحقيق تلك الاتفاقية طفرة تجارية على المدى القصير، خاصة أن البلدين يكافحان فى ظل التداعيات الاقتصادية لتفشى الوباء، ولكن بمجرد دخول الاتفاقية حيذ التنفيذ بالكامل سيتم إلغاء 99% من التعريفات الجمركية وستستفيد فيتنام من وفورات التعريفة البالغة 114 مليون جنيه إسترلينى على صادراتها بينما ستوفر الصادرات البريطانية ما قيمته 36 مليون جنيه إسترلينى.
وقد يكون هذا المزيج من الاتفاقيات التجارية والتحالفات العسكرية مفيدا بالنسبة للجميع على جبهتين، بالنسبة للمملكة المتحدة، سيُظهر للناخبين أن صوت الحكومة “بريطانيا العالمية” هو أكثر من مجرد شعار قومى، أما بالنسبة لآسيا، ستمثل المملكة المتحدة وجودا جديدا جوهريا بين مجموعة متزايدة من الدول التى تمتلك المال والقوى الخارقة والمهارات الدبلوماسية لإقناع بكين بالتراجع عن توسعها العدوانى الأخير.