أنتجت آلة صناعة القرار الأوروبية اتفاقا آخر، وحتى في عام المفاوضات الهائلة – بشأن صندوق التعافي من الوباء وحماية سيادة القانون – فهو بمثابة انجاز كبير.
وبعد أربعة سنوات ونصف السنة من تصويت بريطانيا على مغادرة الاتحاد الأوروبي، توصلت لندن وبروكسل إلى اتفاق تجارة حرة سوف يرسم العلاقة لعقود مقبلة، وبموجب الاتفاق، سوف تحتفظ بريطانيا بتعريفات صفرية وحصة غير محدودة للبضائع التي يتمتع الاتحاد الأوروبي بفائض كبير فيها، وهو ما سيساعد في تخفيف الصدامات الحتمية التي سوف تأتي في نهاية الفترة الانتقالية ويمهد الطريق للمزيد من المفاوضات بشأن التعاون الأوثق.
وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن هذه المهمة الصعبة كانت دائما تتعلق بالحد من الضرر الناتج عن انسحاب بريطانيا والذي له القليل من الجوانب الإيجابية، ومن هذا المنظور، فقد حقق الاتحاد الأوروبي نجاحا باخرا فيما يخص العملية والاستراتيجية، وبالنسبة للكتلة التي عادة ما يقسمها المصالح المتنافرة لأعضائها – وبالنسبة للساسة البريطانيين الذين اعتمداوا على تكتيكات فرق تسد – فقط قدمت الكتلة درسا في قوة الوحدة.
وبالتأكيد، قام الاتحاد الأوروبي بتنازلات كبيرة على مدار 2020، فقط تخلت عن مطالبها بأن تسوي محكمة العدل الأوروبية النزاعات وأن تتماشى قواعد المساعدات الحكومية وتنظيمات العمالة والبيئة مع نظيرتها في الاتحاد الأوروبي، وسوف يواصل الاتحاد الأوروبي المفاوضات والخالافات مع لندن لسنوات قادمة رغم أن هذا الاتفاق سوف يقدم علاقة أكثر استقرارا من الاتفاقات المتعددة والانتقالية مع سويسرا.
ومع ذلك، حقق الاتحاد الأوروبي هدفه الأساسي، فقد حافظ على الوحدة الداخلية إلى حد كبير، حتى مع الحكومات المشككة في اليورو والأكثر تعاطفا مع حجة بريطانيا، ووقف الاتحاد بجانب الدول الأعضاء الأصغرمثل أيرلندا التي كانت لتخسر من مغادرة بريطاميا، ولكن كل دولة عضو قد ترى نفسها تخسر إذا تمكنت بريطانيا من إضعاف المساعدات الحكومية الأوروبية أو قواعد البيئة، ولكن حافظ الاتفاق على سلامة السوق الموحد، ووافقت بريطانيا على قيود وأحكام ملزمة.
وبريطانيا الخارجة من الاتحاد لن تحصل على كعكتها وتأكلها، وكان مبدأ أن دخول السوق الموحدة يأتي مع التزامات ضروريا لحفظ التأثير الرادع عم الخروج، وجعلت الاضطرابات السياسية في بريطانيا من دعم الخروج من الاتحاد الأوروبي عبئا سياسيا على المتشككين في القارة، وقلة من الدول تدعم الخروج علانية، ولا يمكن إنكار عدم تناسق القوى في العملية، وأبرزت الفوضى في الموانيء البريطانية الأسبوع الجاري نتيجة إغلاق الحدود الفرنسية اعتماد المملكة المتحدة على النية الحسنة للآخرين.
ويرى بريجيد لافان، الأستاذ في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، أن نجاح الاتحاد الأوروبي دليلا على أن الكتلة دخلت مرحلة أكثر تأكيدا على الحوكمة وحشدت قوتها ومواردها لحماية مصالحها، واختتم اتفاق عشية الكريسماس عاما عمل فه الاتحاد الأوروبي معا لمعالجة أزمة اقتصادية جديدة.
وسوف يظهر تأثير خروج بريطانيا على صناعة السياسة الداخلية في الاتحاد الأوروبي في السنوات المقبلة، وقد حول بالفعل التوازن بعيدا عن الدول الأطلسية ذات العقلية الليبرالية، وأجبر الدول الأخرى مثل هولندا على الخروج من ظل بريطانيا للدفاع عن مصالحها الخاصة ومنج المزيد من النفوذ لفرنسا وألمانيا.
وبالأخير تقول كاثرين دو فريس، الاستاذة في جامعة بوكوني في ميلان، إن الكثير يعتمد على أداء بريطانيا خارج الكتلة، فإذ كان أدائها جيدا خلال العشر سنوات المقبلة، فهو ما سيخلق آلية مثيرة للاهتمام تشجع الدول الأخرى على حذو حذوها.
وقبل ذلك، يتعين على بريطانيا والاتحاد الأوروبي على حد سواء التكيف من أجل تدفق تجاري سلس، وحتى في ظل الاتفاقية الحالية لا يوجد رابح.
بقلم: بن هول، كاتب مقالات رأي لدى “فاينانشيال تايمز” يغطي الشئون الأوروبية.