في أواخر تسعينات القرن الماضي، قدم لنا أحد مستثمري القيمة تعريفاً لا يهزم للفقاعة: “شيء أطرد من عملي لعدم امتلاكه”، ربما يتعين أن أنهي المقال الآن، ولكن سأواصل.
وحيثما أنظر، أجد حديثاً عن فقاعة وليس فقط من النوع الاجتماعي، وإنما فقاعات سندات، وفقاعات “بيتكوين”، وفقاعات أسهم، وفقاعات أسهم تكنولوجيا.. وهناك بالتأكيد فقاعة داخل الحديث عن الفقاعات.
واتجاهات البحث على “جوجل” عن “فقاعة في سوق الأسهم” في أعلى مستوياتها منذ 2004، ولست متأكداً من أهمية ذلك، نظراً لمواصلة الأسواق الارتفاع، وكان عدد أقل يبحث عن الكلمة في “جوجل” في 2007، قبل أن تنخفض الأسهم العالمية بنسبة 60%.
وما أعرفه، أن أسواق الأسهم تحدت الأسس الاقتصادية خلال الـ12 شهراً الماضية، وتراجعت أرباح الشركات المدرجة حول العالم بحوالي 15% في 2020، وهو تناقص حاد مع التوقعات بارتفاعها بنسبة 10% في بداية العام، ورغم تفويت توقعات الأرباح، فقد صعد مؤشر “إم سي إس آي” للأسهم العالمية بنسبة 18%، وقفز “ناسداك” المثقل بشركات التكنولوجيا بنسبة 51%، ويبدو الأمر وكأن الوباء لم يحدث أبداً.
واندهش الكثيرون – ونحن أيضاً – من قوة التعافي في السوق، وهذا الأداء الذي يتحدى الجاذبية يعود بقدر كبير إلى تأثير البنوك المركزية، وأدى الإعلان عن مشتريات أصول سنوية عالمية بقيمة 5 تريليونات دولار، أي 3 أضعاف الذروات السابقة، إلى تحول في الأسواق المالية مارس الماضي، ولكن أثناء محاولاتهم لتخفيف تأثير الوباء، هل تساعد البنوك المركزية في خلق جيل جديد من فقاعات الأسهم؟
وللمساعدة على إجابة ذلك السؤال، أعدنا النظر في 3 فقاعات في سوق الأسهم خلال الـ4 عقود الماضية، وهي اليابان في أواخر الثمانينيات، و”ناسداك/ستاندرد آند بورز” في أواخر التسعينيات، والأسواق الناشئة في 2007، وفي المتوسط، تضاعفت قيمة مؤشرات الأسهم المعنية 3 أضعاف خلال السنوات الثلاث السابقة للذروة، ثم انتصفت في العامين التاليين. وتعرض مديرو الأموال الذين لم يشتروا أثناء الصعود للطرد.
أما الذين اشتروها، فطردوا أثناء طريقهم للقاع، ولم تكن أبدا وظيفة إدارة الأموال وظيفة سهلة، والآن.. يعد مؤشر “ناسداك” هو المؤشر الرئيسي الأكثر تضخماً، وارتفع بنسبة 83% خلال السنوات الـ3 الماضية، وهي نسبة كبيرة، ولكنه في مارس من عام 2000، كان قد صعد بنسبة 285% (ثم هبط بنسبة 77% خلال العامين التاليين)، أما مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” فقد ارتفع بنسبة 36% على مدار السنوات الـ3 الماضية، وهي نسبة ساخنة، ولكنها ليست بنفس قدر سخونة الفقاعة، فقد ارتفع بنسبة 93% ما بين 1997 و2000.
وتبدو الأسهم خارج الولايات المتحدة حالياً أقل تضخماً، وارتفع مؤشر الأسواق الناشئة بنسبة 12% خلال السنوات الثلاث الماضية، وصعد “نيكاي” بنسبة 20%، أما “داكس” فمستقر، وانخفض مؤشر “فوتسي” البريطاني بنسبة 14%، ولكنه ارتفع بنسبة 70% في السنوات الثلاث حتى ذروة 2000.
وأحد الاختلافات الكبيرة بين الفقاعة الحالية والسابقات، هو أن الدخل الثابت قدم بديلاً واضحاً عندما بدأت أسواق الأسهم في التصدع، وكانت السندات الحكومية تقدم عائد 5% إلى 6% وليس 0% إلى 1% حالياً، وربما الدخل الثابت هو ما يشكل فقاعة الآن، ومع ذلك، تبدو البنوك المركزية ملتزمة بالإبقاء على العائدات المنخفضة للسندات، فهذا هو الهدف من برامج الدعم الخاصة بهم المعروفة بالتيسير الكمي، وقد تتراجع أسواق الأسهم عندما تخفض البنوك المركزية مشتريات الأصول أو تفقد السيطرة على أسواق الدخل الثابت شديدة الانصياع، ولكن هذه اللحظة لاتزال بعيدة قليلاً.
ولن ننصح أي أحد أبداً بمطاردة فقاعة، لأنها يممكن أن تنفجر في أي وقت، ولكن إذا كانت التقييمات لتصل إلى المستويات المرتفعة السابقة، فلايزال أمامها طريق صعودي بنسبة 50% إلى 100%، وذلك فقط عند النظر إلى التقييمات المجردة، وإنما إذا قسناها مقابل عائدات السندات، فإن مؤشر “ناسداك” سيبدو رخيصاً.
والدرس المستفاد هو أن فقاعات الأسهم ليست مخلوقات حساسة وتنفجر عند أول تلميح للتشديد من قبل البنوك المركزية.. بل هي عبارة عن قطارات جامحة تقود إلى سوء تخصيص رأس المال، وتشوه قطاع إدارة الأموال، وتنهي وظائف الاستثمار.
وتتطلب تلك الفقاعات بعض المكابح، وينبغي أن ينتبه مديرو الأموال الذين يميلون لمحاربة الفقاعات الناشئة إلى السؤال التالي: “هل سيرغب عملاءك في الانتظار لوقت طويل كفاية حتى تتمكن من الاستثمار على النحو الصحيح؟”
ونتيجة لكل تلك الأسباب، نحن حذرون في ترويج مقولة “هذه الفقاعة المجنونة ستنفجر قريباً”، وخفضنا مؤخراً تعرضنا للأجزاء المزبدة من سوق الأسهم العالمي مثل الولايات المتحدة، ولكننا لم نخفض استثماراتنا بشكل عام في الأسهم دون الوزن القياسي.
ونحن أشبه بمن توقف عن الرقص ووقف بجوار الباب، ولكن لم يترك الحفلة بعد، وسوقنا المفضلة الآن هي بريطانيا التي تتداول بأرخص تقييم نسبة إلى السندات الحكومية منذ 100 عام، وإذا كنتم تتساءلون: “ماذا حل بمستثمر القيمة؟” فالإجابة أنه فقد وظيفته في عام 2000 في ذروة الفقاعة تماماً.
بقلم: روبرت باكلاند، كبير استراتيجيو الأسهم في “سيتي جروب”.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”