نشاط الدمج والاستحواذ أكثر مرونة وإن كان أقل بنسبة 19% عالمياً العام الماضى
فى عام 2020، تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر العالمية بنسبة 42%، بحسب البيانات التى نشرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» مؤخراً، وبالتالى هذه النسبة ليست صغيرة بأى حال من الأحوال.
وفى الواقع، كان الاستثمار الأجنبى المباشر العام الماضى أقل بنسبة تزيد على 30% عن حجم الاستثمار الذى أعقب الأزمة المالية العالمية فى 2008- 2009، كما أنه يقارن بشكل غير مناسب مع انخفاض بنسبة 8% فى التجارة العالمية فى عام 2020 أو انخفاض بنسبة 4.4% فى الناتج العالمى، بحسب صندوق النقد الدولى.
كما انخفض عدد المشاريع الاستثمارية الجديدة العالمية العابرة للحدود بنسبة 36% بشكل عام، والتصنيع بنسبة 46%، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
ورغم أن الاستثمار الأجنبى المباشر الناشئ عن أنشطة الاندماج والاستحواذ كان أكثر مرونة، فإنه لا يزال ينخفض بنسبة 19% فى بقية العالم إلى جانب آسيا، بحسب تحليل أجرته «فاينانشيال تايمز» لبيانات المزود العالمى للبيانات والخدمات المالية «ريفينيتيف».
وكان الاختلاف بين آسيا وبقية العالم جزء أساسى من قصة العام الماضى، فقد زادت تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر الوافدة إلى الصين والهند بالفعل بنسبة 4% و13% على التوالى، بينما انخفضت تلك التدفقات للاقتصادات المتقدمة بنسبة 69%.
ونتيجة ذلك، تفوقت الصين على الولايات المتحدة كأكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبى المباشر فى العالم العام الماضى، وجذبت الدول النامية 72% من الاستثمار الأجنبى المباشر العالمى آنذاك، وهى أعلى نسبة لها على الإطلاق، بينما تمثل آسيا فقط أكثر من نصف الاستثمار العالمى العابر للحدود.
وعلى جانب آخر من قصة النجاح الآسيوية، هناك أفريقيا وأمريكا اللاتينية اللتان سجلتا انكماشاً أكبر من أى منطقة أخرى فيما يتعلق بالعديد من مكونات الاستثمار الأجنبى المباشر، بما فى ذلك عمليات الاندماج والاستحواذ وتمويل المشاريع والاستثمار فى المجالات الجديدة. وكانت فورة الاستثمار فى الصين والهند مدفوعة بشكل كبير بعمليات الاندماج والاستحواذ، التى تستهدف شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتجارة الإلكترونية والأدوية.
وقد حازت تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر إلى الصين على دعم الاقتصاد المتنامى وبرامج التيسير الحكومية.
وفى الهند، يبدو أن الاقتصاد تقلص بشكل حاد العام الماضى، لكن الطبقة الوسطى الصاعدة بسرعة تعمل جنباً إلى جنب الجهود الحكومية لخلق بيئة مواتية للمستثمرين الأجانب الذين ساهموا فى زيادة عمليات الاندماج والاستحواذ الأجنبية التى تستهدف الشركات الهندية العاملة فى التجارة الإلكترونية وخدمات معالجة البيانات والمدفوعات الرقمية وخدمات بث الفيديو، حسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد».
وتمثل قصة الاستثمار الأجنبى المباشر ضربة مزدوجة لمناطق مثل أمريكا اللاتينية وأفريقيا، التى لم ترتفع فيها الأسواق المحلية بالسرعة التى كانت عليها فى آسيا والتى يكون فيها انخفاض التكلفة حافزاً أكبر للاستثمار، حيث جاء نضوب الاستثمار الأجنبى على رأس الانكماش الاقتصادى الكبير فى تلك المناطق.
وفى بيرو، سجلت جميع القطاعات انخفاضاً حاداً فى التدفقات الاستثمارية، فى ظل الافتقار التام تقريباً للاستثمارات الجديدة فى صناعات الخدمات والتصنيع والمرافق.
أما فيما يتعلق بأفريقيا، فقد تضخم تأثير الوباء السلبى على الاستثمار الأجنبى المباشر؛ بسبب انخفاض أسعار السلع الأساسية، وانخفاض الطلب عليها.
وبالطبع، يتعارض الاتجاه السائد فى الصين والهند بشكل كبير مع التحذيرات العديدة من إعادة توطين الصناعات نتيجة اضطراب سلاسل الإمداد خلال فترة تفشى الوباء، كما أنه يشير إلى أن الشركات تخطط للوصول إلى الأسواق النامية والبحث عن أصول استراتيجية.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أنَّ البنك الدولى يراقب معنويات المستثمرين الأجانب بشكل منتظم منذ الأزمة، بسبب الدور الرئيسى الذى يلعبه الاستثمار الأجنبى المباشر كمصدر للتمويل والنمو الاقتصادى بالنسبة للعديد من الدول النامية.
وفى استطلاع للرأى، قال ما يقرب من نصف المستثمرين الأجانب إنهم يخططون لإعادة تنظيم عملياتهم.
وفى الوقت نفسه، وجد البنك الدولى أن العديد من الشركات متعددة الجنسيات كانت تخطط للاستثمار فى الصين، فى حين أعربت تلك الشركات عن ضعف شهيتها بشكل كبير للاستثمار فى أوروبا وآسيا الوسطى.
ومع ذلك، هناك شكوك كثيرة حول إمكانية استمرار هذا الاتجاه للتدفقات الكبيرة للاستثمار العابر للحدود إلى آسيا.
وقال مارتن كاسبار، رئيس قسم التطوير فى شركة «فرانكيشا» الألمانية لتوريد السيارات، فى مؤتمر للاستثمار الأجنبى المباشر عُقد فى يونيو الماضى، إنه على الرغم من الوباء والفجوة الأصغر فى الأجور، إلا أن الناس سيواصلون الاستثمار فى الهند والصين نظراً إلى سهولة الوصول إلى آسيا.