كانت رومانيا في وقت من الأوقات زاوية مظلمة للشيوعية، ودولة تتسم بانقطاع التيار الكهربائي باستمرار، وصفوف الانتظار الطويلة والمتاجر شبه الفارغة المليئة فقط بـ”أوعية المخللات التي لا توصف” على حد تعبير زميل كان هناك في ذلك الوقت.
وما يجعل الأمر أكثر إثارة للدهشة أن شركة البرمجيات “يو آي باث”، بوخارستية المنشأ، المدعومة برأس المال المغامر، والتي تعد الشركات الرأسمالية العالمية بالعمل بشكل أكثر كفاءة، تمكنت من جمع تمويل إضافي في نيويورك رفع تقييمها لرقم هائل يبلغ 35 مليار دولار.
وبدلا من أن تشكل الشركة حالة فردية، قد تصبح “يو آي باث” رائدة موجة جديدة من شركات التكنولوجيا التي يمكن أن تظهر في أي مكان وتبيع لأي شخص.
وأصبح من المسلم به الآن، أن العالم دخل مرحلة انحسار العولمة مع ازدياد التوترات القومية وتفكك سلاسل التوريد العالمية، ولكن في أجزاء من العالم الرقمي، ما يحدث هو العكس تماما، ونرى تسارعاً كبيراً للعولمة الإلكترونية.
وبفضل تواجد الحوسبة الرخيصة في كل مكان، وانتشار مهارات هندسة البرمجيات ووفرة رأس المال المغامر، قد تصبح شركات مثل “يو آي باث” شائعة بشكل متزايد.
فالبرمجيات العظيمة لم تعد تكتب فحسب، في سان فرانسيسكو، وسياتل، وشينزن، وبنجالور، وإنما في لاجوس، ودكا، وليما، واسطنبول.
ولدى شركات البرمجيات القدرة على أن تصبح عالمية بين ليلة وضحاها، وتواجه عقبات أقل بكثير في العالم الرقمي.
وعلى الأرجح سيسرع الوباء، تحرك العالم أكثر نحو الإنترنت بعد أن قلب العديد من جوانب الأعمال رأساً على عقب.
وأشارت شركة “مايكروسوفت”، في مؤتمر صحفي الأسبوع الحالي، إلى أن الكثير من الإنفاق التكنولوجيا تعجل نتيجة وباء فيروس كورونا.
وفي السابق، كانت الشركات تتوقع أن يتضاعف الإنفاق التكنولوجي العالمي خلال العقد الحالي إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، والآن تتوقع أن يتحقق هذا المستوى بحلول 2025.
وكان من المعتقد أنه يتعين على شركات البرمجيات الطموحة التدفق إلى الساحل الغربي من الولايات المتحدة إذا أرادت النجاح، ولكن كما يقول نات فريدمان، المدير التنفيذي لموقع “جيت هاب”، تنتقل تلك الشركات الآن إلى الحوسبة السحابية، إذ يتمكنون من الدخول إلى خدمات الحوسبة القوية من أي مكان في العالم.
وباعتباره مديراً لمجتمع عبر الإنترنت لديه أكثر من 56 مليون مهندس برمجيات، فإن فريدمان لديه نقطة إطلاع جيدة لرؤية “أين تظهر أفضل المواهب؟” وقال إنه في الولايات المتحدة، انكمش مجتمع المطورين بنسبة 10% في منطقة الخليج حول سان فرانسيسكو العام الماضي، في حين توسع المجتمع سريعا في هيوستن وميامي.
ولكن أقوى مناطق النمو على “جيت هب”، كانت في أماكن أخرى في دول منها نيجيريا، وبنجلاديش، وتركيا، ومصر، وكولومبيا، وقال” السحابة خلقت فرصا عالمية”.
وتعد شركة “يو آي باث” مثالاً جيداً عن كيف يمكن لشركة برمجيات تقدم خدمة فريدة أن تجذب رأس المال العالمي وتصل للعالمية؟
وتعد نقطة القوة لدى الشركة، هي أتمتة العمليات الروتينية مثل ملء خانات المواعيد في المستشفيات، وإجراء التحقق من الوضع الائتماني ومعالجة مطالبات التأمين، ويلخص، مؤسسها المعروف “بملياردير الروبوت”، دانيالز داينز، أعمالها على أنها “الأتمتة في تطبيق”.
وعلى الأقل في البداية يمكن لشركات البرمجيات تلك بيع خدماتها عبر الإنترنت، حيث لا يعلم العملاء عادة أين مقر الشركة؟
وقالت ريشما سوهوني، عضو منتدب في شركة “سيدكامب”، أولى شركات رأس المال المغامر التي استثمرت في الشركة الرومانية: “يمكنك بناء شركة برمجيات من أي مكان، وتشعر شركاتنا بالسعادة لأنها تستطيع بيع منتجاتها عن بعد.. وتعد شركة “يو آي باث” رائدة لأنها تمكنت من الوصول للعالمية سريعا جدا”.
ونقلت شركة “يو آي باث” مقراتها إلى نيويورك لتكون بالقرب من أكبر عملائها، ولكنها أبقت مركز البحث والتطوير في رومانيا.
وفي الوقت الحالي، تعد رائدة سوقية في أسرع الأجزاء نمواً في قطاع برمجيات الشركات، وفقاً لشركة أبحاث التكنولوجيا “جارتنر”، ولكن مع نموها أكثر، ستصبح المنافسة أكثر حدة.
وتخطط الشركة لطرح أسهمها في بورصة نيويورك في وقت لاحق من العام الحالي، وهو ما قد يمكنها من الصعود لمصاف شركات البرمجيات العالمية، أو ربما قد تُشترى من قبل عملاقة أمريكية مثلما ابتلعت “مايكروسوفت” “سكايب”، واستحوذت “سيلز فورس” على “سلاك”.
أو ربما يتم تطبيق تكنولوجيا أتمتة العمليات في مجموعة المنتجات الأوسع لهذه الشركات الأمريكية وتختفي التكنولوجيا كخدمة قائمة بذاتها.
لذا، فإن وصول شركة برمجيات إلى العالمية هو تحدي.. أما البقاء كذلك فهو تحدٍ آخر تماماً.
بقلم: جون ثورنهيل، محرر الابتكار والتكنولوجيا لدى صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.
المصدر: صحيفة “فاينانشال تايمز”.