بعد عقد تم وصفه بالعقد الضائع، بدأت أسعار السلع في الانتعاش مع تطلع المستثمرين للتعافي الاقتصادى، وعانت السلع منذ سنوات قليلة صعبة، وتضررت من فائض المعروض، ومن المخاوف الاقتصادية الناتجة عن تفشي كوفيد 19.
ولكن الآن، ارتفعت الأسعار أكثر وسط الآمال بأن التعافي القوي بعد الوباء خلال 2021 سيحرر طلباً استهلاكياً وصناعياً على المواد الخام.
وارتفعت أسعار البترول فوق 60 دولاراً للبرميل الأسبوع الحالي، في حين وصل النحاس لأعلى مستوى في 8 سنوات، وارتفع مؤشر واسع لأسعار السلع وآخر يقيس الطلب على المعادن الصناعية بنسبة 17% منذ نوفمبر عندما أعلنت فايزر عن مصل كوفيد.
ولاتزال أسعار السلع أقل من أعلى مستوى وصلت إليه في “الدورة الفائقة” السابقة في يوليو 2008، ولكنها تقترب من مستويات الذروة في 2018، ويتحدث بعض المحللين والمستثمرين حالياً عن موجة صعودية للسلع، ويتسائلون إذا كانت سلاسل الارتفاع القوية في السبعينيات وأوائل القرن الجاري ستتكرر.
ويقول استراتيجي الأسواق ومؤسس “لونج فيو ايكونوميكس”، كريس والتينج: “الدورات الفائقة للسلع تحدث بعد فترات السياسة النقدية الفضفاضة من قبل البنوك المركزية وتستمر لحوالي 10 سنوات.. وتفوق أداء السلع مقارنة بالأسهم منذ 10 سنوات.. والآن هي رخيصة للغاية ودون مستوياتها المشهودة في 1969 و1998 قبل أن تبدأ الدورات الفائقة السابقة”.
وفي الوقت الحالي، فإن السيناريو المتفائل بشأن السلع لديه رياح خلفية هائلة من الاستعداد الواضح للحكومات والبنوك المركزية لتأجيل تقشفهم المالي والتشديد المبكر للسياسة النقدية في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008.
وحذر عدد من الاقتصاديين مثل لورنس سامرز، من أن ذلك سيقود إلى ارتفاع في التضخم وعدم استقرار مالي، ولكن في الوقت الحالي تريد الحكومات إنفاق الكثير، وهي أنباء جيدة للطلب على السلع.
وتستفيد بعض السلع كذلك من ازدهار الطاقة المتجددة والقبول الأوسع للمركبات الكهربائية، وهذا الاتجاه سيقلص الطلب على الوقود الأحفوري، ولكن سيقود دورة قوية في النحاس والنيكل والفضة والبلاتين – التي تعد مواد مهمة للبطاريات ولتوسيع شبكات الطاقة الكهربائية ومحطات الشحن – وسيستغرق الأمر بعض الوقت، لكي يزداد الإنتاج الجديد لمقابلة الطلب.
وبالنسبة للمستثمرين الذين يحملون محافظ استثمارية تتكون على الأغلب من السندات والأسهم، يبدو تعزيز التعرض للسلع منطقياً استراتيجياً، وإذا ارتفع التضخم مع تعافي الاقتصاد العالمي، فسيحابي ذلك من يمتلكون أصولا حقيقية مثل العقارات والسلع.
وتترك التقييمات العالية الحالية للأسهم، هامشاً هزيلاً للخطأ فيما يتعلق بأرباح الشركات وأرقام النمو المخيبة للآمال في السنوات القليلة المقبلة، وبالنسبة للسندات منخفضة العائد، فإنها لا تقدم حماية من نوبات ارتفاع التضخم.
وحققت المحفظة المنقسمة بنسبة 60/40 بين الأسهم العالمية والسندات الأمريكية عالية التصنيف عائد سنوي خلال 5 سنوات بنسبة 10.2% – أو 8.2% بعد احتساب التضخم، وفقاً لشركة “نورثيرن تراست”، وتؤدي التقييمات العالية لفئتي الأصل في الوقت الحالي إلى تقدير البنك لعائد سنوي بنسبة 3.6% خلال السنوات الخمس المقبلة قبل احتساب التضخم.
ووفقاً لمستويات التقييمات الحالية، فإن القوى التي تبث الاستقرار في محفظة 60/40 أصبحت أقل فاعلية في السنوات الماضية، وفي نوبات التقلبات الماضية عندما كانت الأسهم تتراجع بحدة، ارتفعت السندات وخدمت كملاذ آمن للشراء، ولكن الآن قد لا يكون أمام السندات مجالاً أكبر للمكاسب.
وقد لا تقدم السلع حماية ضد التقلبات الأوسع في السوق، ولكن لديها تاريخ من التفوق في الأداء عندما يرتفع التضخم، وفي الدورة الفائقة في سبعينيات القرن الماضي، قدمت تحوطاً ضد صدمة أسعار البترول التي حطمت أكبر 50 سهماً نمواً في “وول ستريت”.
وفي أعقاب انفجار فقاعة الدوت كوم في عام 2000 عندما انهارت أسعار الأسهم بحدة كذلك، انتعشت أسعار السلع مستفيدة من شهية الصين الهائلة على المواد الخام، ويعد اختيار النوع الصحيح من السلع مهما كذلك بالنظر إلى مبادرات الطاقة الخضراء وبروز المركبات الكهربائية والطلب على شبكات الطاقة.
وبالنسبة للمستثمرين الذين يحاولون تحديد المزيج المناسب في المحافظ، فإن إضافة قدر صغير من السلع، وليس جزءاً كبيراً، لممتلكاتهم من السندات والأسهم سيكون كافياً.
ويقول مدير حلول المحافظ في “إيه كيو آر” لإدارة الأصول، دان فيلاليون: “أحد فوائد السلع هي أنها متقلبة أكبر من معظم فئات الأصول وبالتالي لا تحتاج لشراء الكثير منها لكي تحصل على عائدات أكبر وتنويع ذو معنى للمحفظة”.
بقلم: مايكل ماكينزي، محرر الاستثمار لدى “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”.