صادرات 42 شركة أمريكية لدول جنوب شرق آسيا تدعم 600 ألف وظيفة فى الولايات المتحدة
مع تولى إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، مقاليد الحكم، تراقب الدول الآسيوية عن كثب لمعرفة ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة تحقيق الاستقرار فى مؤسساتها الديمقراطية واحتواء تفشى وباء «كورونا» والاستمرار فى المشاركة والتنافس على المسرح العالمى.
ولطالما عملت الولايات المتحدة على ترسيخ واستدامة نظام أمنى إقليمى من خلال شبكة قوية من التحالفات والشراكات، لكن الصين تتحدى هذا النظام وتجذب حلفاء أمريكيين، مثل تايلاند والفلبين، عبر مبادرات مثل مبادرة «الحزام والطريق».
كما أن وباء «كوفيد- 19» خلق مزيداً من التحديات السياسية بالنسبة لواشنطن؛ حيث تتعافى الصين بشكل أسرع من الوباء، ما يعزز وضعها الاقتصادى، وبالتالى المضى قدماً فى تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
ولكن حتى تستطيع الولايات المتحدة الحفاظ على قوتها ونفوذها فى آسيا، يجب أن تعزز إدارة بايدن المشاركة الاقتصادية مع المنطقة، خاصة فى جنوب شرق آسيا، التى أصبحت بؤرة للتنافس الاستراتيجى بين بكين وواشنطن، حسبما ذكرت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
وتدعم صادرات ما يقرب من 42 ألف شركة أمريكية إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان»، المكونة من 10 أعضاء، نحو 600 ألف وظيفة أمريكية، لكن الوضع الاقتصادى للولايات المتحدة هناك معرض للخطر بشكل متزايد، وبالتالى تزداد الحاجة إلى اتباع نهج جديد من شأنه تعزيز الآفاق الجيوسياسية للبلاد فى آسيا ودعم اقتصاد الطبقة المتوسطة.
وفى عام 2020، أصبحت الآسيان أكبر شريك تجارى للصين، قبل الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، واستكملت أيضاً الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التى تضم الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، والتى تربط حوالى 30% من سكان العالم، وتسرع التكامل البينى الآسيوى حول الصين واليابان.
ويأتى هذا بالإضافة إلى الشراكة الأكثر طموحاً المعروفة باسم «الاتفاق الشامل والتقدمى للشراكة العابرة للمحيط الهادئ» الذى يضم ثلاثة أعضاء من الآسيان، وباختصار هناك الآن صفقتان تجاريتان ضخمتان فى آسيا لم تندرج الولايات المتحدة كجزء منهما.
وبدلاً من ذلك، تشن واشنطن حرباً تجارية تستهدف الصين، وتضرب أيضاً العديد من شركاء الولايات المتحدة، وبالفعل تتسبب التعريفات الجمركية فى خفض الواردات، لكنها تخفض أيضاً الصادرات الأمريكية؛ نظراً إلى انتقام الدول الأخرى.
وخلال الأربعة أعوام الماضية، ارتفع العجز التجارى للولايات المتحدة فعلياً من 50 مليار دولار إلى 65 مليار دولار شهرياً.
وعلاوة على ذلك، فإن محاولة سياسات «أمريكا أولا» لتحويل التجارة، أى تحويل الصادرات بعيداً عن الدول الأخرى عن طريق جعل الصين تلجأ للشراء من الولايات المتحدة، قد خفضت بشكل أكبر من الدور الأمريكى فى اقتصاد آسيا.
وذكرت المجلة اليابانية، أن التصحيح الواضح يجب أن يكون الابتعاد عن التجارة المدارة والانضمام إلى الدول الأعضاء فى الاتفاق الشامل والتقدمى للشراكة العابرة للمحيط الهادئ، ودفع المزيد من الاقتصادات الآسيوية للانضمام إلى الاتفاق، الذى يأتى بمعايير تعالج العديد من المخاوف التجارية المشروعة للولايات المتحدة مع الصين، كما أن انضمام الولايات المتحدة والدول الآسيوية الأخرى قد يخلق نفوذاً فى المفاوضات المستقبلية مع بكين.
ورغم أن الانضمام إلى الاتفاق الشامل والتقدمى للشراكة العابرة للمحيط الهادئ سيكون صعباً من الناحية السياسية؛ نظراً إلى الشك الأمريكى فى العولمة وصفقات التجارة الحرة، فإنه يمكن استكشاف الأمر تدريجياً مع تحديد المجالات المحتملة لإعادة التفاوض، مثل القضايا المتعلقة بالعمل والبيئة.
وفى الوقت نفسه، تقدم الصين واليابان إلى حدٍ بعيدٍ معظم تمويل البنية التحتية إلى دول الآسيان، التى تحتاج ما يصل إلى 210 مليارات دولار سنوياً فى استثمارات البنية التحتية فقط؛ للحفاظ على النمو الاقتصادى الإيجابى.
وفى ظل مضى الصين قدماً بكل نشاط لتطوير البنية التحتية تحت مظلة مبادرة «الحزام والطريق»، فإنَّ جهود الولايات المتحدة لتصنيف المبادرة على أنها فخ ديون دبلوماسى لا يلقى صدى لدى دول جنوب شرق آسيا.
وفى إطار سياستها الحرة والمفتوحة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، قامت إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بتوسيع نطاق الجهود المبذولة فى البنية التحتية، كما أنها انضمت إلى اليابان وأستراليا لتشكيل شراكة ثلاثية للاستثمار فى البنية التحتية فى المحيطين الهندى والهادئ لتعزيز البنية التحتية المستدامة القائمة على معايير الحوكمة الرفيعة، ودخلت أيضاً فى شراكة مع طوكيو فى إطلاق شراكة الطاقة بين اليابان والولايات المتحدة لتعزيز قطاعات الطاقة فى نهر ميكونج.
ومع ذلك، فقد نتج عن هذه المبادرات عدد قليل من المشاريع الملموسة، وبالتالى يجب على إدارة بايدن جعل هذه المنصات واقع، كما يجب عليها أيضاً تسريع الاستثمارات والقروض، خاصة فى منطقة ميكونج، إذ يجب ألا تفوت الولايات المتحدة هذه الفرصة للتنافس مع الصين وتحقيق فوائد للمستثمرين الأمريكيين وإظهار معايير عالية بالتعاون مع الشركاء الإقليميين.
ولا تزال المخاوف الأمنية مهمة بالنسبة للدول الآسيوية، بالتأكيد، لكن الكثير منها يعطى الأولوية للتنمية الاقتصادية؛ لأنها تمثل نقطة ألم فورية لمعظم تلك الدول، وفى ظل مبادرة الحزام والطريق والآن الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، يتفوق الدور الاقتصادى للصين على دور الولايات المتحدة، فقد وقعت الصين اتفاقيتين اقتصاديتين كبيرتين منذ انتخاب بايدن، وآخرهما كانت اتفاقية استثمار مع الاتحاد الأوروبى، والتى يزيد احتمالية استبعاد الولايات المتحدة منها.
ويمكن للولايات المتحدة أيضاً تحقيق انتصارات داخلية من خلال بذل المزيد من الجهد لمساعدة الآسيان فى تلبية احتياجاتها الهائلة من البنية التحتية، كما يمكن ربط دعم الاستثمار فى البنية التحتية فى العالم النامى بالأجندة الخضراء للبحث والتطوير بطريقة تفيد المنطقة وتخلق وظائف جيدة بالنسبة للأمريكيين.