يبدو أن الوقت قد حان للاستعداد إلى موجة جديدة من الضجيج حول النمو فى الأسواق الناشئة الآسيوية.
ويتوقع بنك التنمية الآسيوى نمو اقتصاد الهند بنسبة 10% على الأقل خلال عام 2021، كما يتعين على اقتصاد الصين النمو بنسبة 8%، فى حين ستنمو جميع الاقتصادات النامية فى المنطقة بنحو 7%.
وبالتالى يبدو أن أوقات الازدهار الاقتصادى على وشك العودة مرة أخرى بعد كل المخاوف والاضطرابات التى نتجت عن تفشى وباء «كوفيد-19».
ومع ذلك، لن تسير الأمور بسرعة كبيرة، فهذه الطفرة التى أعقبت الوباء تعد فى الأغلب تعافيا من الركود الوبائى المستمر بالنسبة للمبتدئين، مما يمثل وضعا أكبر بقليل من العودة إلى حيث كانت معظم الاقتصادات قبل تطبيق تدابير الإغلاق.
لكن ثمة عوامل أكثر عمقا تلعب دورا أيضا، مما يشير إلى أن فكرة تمتع الدول النامية بفترة نمو سريع جديدة بعد الوباء، أصبحت أمرا غير مرجح.
وكل هذه الأمور تتلخص فى مسألة التقارب، وهى واحدة من أهم القضايا المحيرة فى اقتصاديات التنمية، إذ تشير النظرية إلى أن الدول الأكثر فقرا ستتقارب تدريجيا مع نظيرتها الأكثر ثراء، ما يعنى أن معدلات نموها يجب أن تكون أعلى لأنها تلحق بمنافسيها الأكثر تقدما.
لكن فى الممارسة العملية، غالبا ما يبين عدم حدوث ذلك بشكل غريب، فقد عانت الأسواق الناشئة خلال معظم فترات القرن العشرين من مشاكل الديون والتضخم وعدم استقرار العملة.
كما أنها نمت بشكل أبطأ من الاقتصادات المتقدمة، بحسب ما نقلته مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
وأظهرت العقود الأخيرة نمطا واعدا بشكل أكثر، فهناك ورقة بحثية جديدة، شارك فى تأليفها كبير المستشارين الاقتصاديين الهنديين الأسبق أرفيند سوبرامانيان، أظهرت بشكل مقنع أن الدول النامية تمتعت بالفعل بنمو سريع فى اللحاق بالركب خلال فترة العولمة العالية فى التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالى.
وأوضحت الورقة البحثية أيضا أن الاقتصادات الناشئة استفادت من التطورات التكنولوجية، التى دعمت سلاسل التوريد العالمية الجديدة، فضلا عن الازدهار الاقتصادى للصين على مدى عقود والزيادات السريعة فى التجارة العالمية والاستثمار الأجنبى المباشر.
ومن المثير للاهتمام، أن نمط التقارب هذا كان صحيحا ليس فقط بالنسبة للدول الفقيرة بل أيضا تلك المنضمة إلى شريحة الدخل المتوسط، رغم مخاوف صانعى السياسات من أن الدول الفقيرة سريعة النمو غالبا ما تتعرض للركود عندما تصل إلى مستويات الدخل المتوسط.
وفى الواقع، كانت هذه المجموعة أسرع من حيث التقارب، مما جعل المناقشات حول فخ الدخل المتوسط تبدو وكأنها ذات مفارقات تاريخية، ما يشكل أخبارا جيدة.
ويبقى السؤال يدور الآن حول ما إذا كان هذا النمط الواعد من التقارب سيستمر فى حقبة ما بعد الجائحة، وهنا تكون الأخبار أقل إيجابية إلى حد ما.
حتى قبل الوباء، كان هناك دليل جيد على أن أنماط التقارب قد انحسرت فى العقد الذى أعقب الأزمة المالية العالمية.
وفى الوقت الذى كانت فيه العولمة تدعم النمو السريع الذى تقوده الصادرات، بدأت الآن موجة من تراجع العولمة فى التأثير على العديد من الدول الناشئة.
كما أن تباطؤ الاقتصاد الصينى كان يشكل مشكلة خاصة، إذ أثر على مصدرى السلع الأساسية والدول الآسيوية المجاورة على حد سواء، وبالتالى كان هذين العقدين المتسمين بالتقارب، يبدوان وكأنهما استثناء غير عادى، وليس قاعدة.
وتعتبر عملية التنبؤ بالمستقبل أمرا محفوفا بالمخاطر دائما، لكن يبدو أن العولمة على الأقل لن تمضى قدما بسرعة فى مرحلة ما بعد الجائحة، فى أعقاب الانخفاض الحاد الأخير فى حركة السلع والأشخاص.
ومن غير المرجح أن تقوم التوترات الجيوسياسية المتفاقمة بين الولايات المتحدة والصين بمساعدة أيا منهما، نظرا لأنها تصعب المضى قدما فى أى نوع من الصفقات التجارية وإجراءات التحرير التى دعمت صعود العولمة.
ويمكن بعد ذلك أن يزداد هذا النمط الأوسع سوءا بسبب الخيارات السياسية فى الاقتصادات الناشئة الرئيسية، ويمكن النظر إلى اتباع الصين لنهج «التداول المزدوج» على أنه مثال على ذلك، إذ كانت تسعى الدولة الآسيوية إلى فطم نفسها عن واردات التكنولوجيا الأمريكية، فضلا عن تحول الهند الأخير نحو الداخل المليء بالقيود الجمركية الجديدة والحديث عن الاعتماد على الذات، وهذا أمرا آخر.
وفى النهاية، قال الخبير الاقتصادى أرفيند سوبرامانيان: «إذا حصلنا على مزيد من تراجع العولمة، فمن شبه المؤكد أن اللحاق بالركب سيكون أبطأ».
ومع ذلك، لاتزال الاقتصادات الناشئة فى كثير من آسيا فى وضع أفضل من تلك الموجودة فى مناطق أخرى، على سبيل المثال، أمريكا اللاتينية.
وكان أداء دول مثل تايلاند وفيتنام جيدا خلال فترة تفشى الوباء، ومن المرجح أيضا أن تستفيد مع تنوع الشركات المصنعة العالمية خارج الصين، ونقل مزيد من الإنتاج إلى جنوب وجنوب شرق آسيا، كما يمكن للاقتصاد الاستهلاكى المتنامى فى الصين أن يساعد أيضا، حيث يمكن له امتصاص الواردات من دول الجوار والمساعدة فى تحفيز تنميتها.
ويعد التقارب أيضا سباقا بين الدول الفقيرة والدول الأكثر ثراء، حيث بالكاد تبدو المجموعة الأخيرة فى شكل أصلى بعد الوباء.
كما أن الاقتصادات الصناعية كافحت الوباء من خلال الإنفاق التحفيزى السخى، ما جعلها تتعامل مع أكوام من الديون الجديدة الضخمة حتى فى وقت تصارع فيه قضايا مثل شيخوخة السكان، وعلى النقيض من ذلك استجابت الأسواق الناشئة بإنفاق أقل ومزيد من الإصلاحات، وهى نقطة أثارها مؤخرا المستثمر روتشير شارما الذى يشعر بتفاؤل تجاه نمو الأسواق الناشئة فى المستقبل.
ومع ذلك، تبدو التوقعات صعبة بشكل عام، فقد أصبح الاقتصاد العالمى أكثر تعقيدا، مما أدى إلى تحويل أنماط التجارة بعيدا عن التصنيع المكثف وتحوله إلى الخدمات الرقمية.
وتعمل الأتمتة على تعزيز هذا النمط، ما يقلل من ميزة التكلفة للدول ذات العمالة الرخيصة الوفيرة ويفضل الاقتصادات الأكثر ثراء ذات السكان الأكثر مهارة، وهذا يجعل مسار النمو السريع الذى تقوده الصادرات والذى دفع النمو اللحاق بالركب خلال العقد الأول من القرن الـ 21 من الصعب متابعته.
وعلى المدى الطويل، ثمة مشاكل أخرى يمكن أن تظهر أيضا، إذ تكافح الأسواق الناشئة مع كل شيء بدءا من أنظمة التعليم السيئة إلى أزمة المناخ.