أملا فى معالجة اضطرابات سلاسل التوريد فى أعقاب وباء “كورونا”، أمر الرئيس الأمريكى جو بايدن بمراجعة واسعة النطاق لاعتماد الولايات المتحدة على المصادر الأجنبية للحصول على السلع الحيوية مثل الأدوية والمعادن الأرضية النادرة والبطاريات عالية السعة، أما فيما يتعلق بالمسألة الأكثر إلحاحًا – نقص أشباه الموصلات الذى قلب الإنتاج فى شركات صناعة السيارات الأمريكية – يحتاج الرئيس إلى التفكير على نطاق أكبر.
وفى الربيع الماضى، انهارت مبيعات السيارات مع انتشار فيروس كورونا، وتوقعا لفترة تراجع مطولة، خفض صانعو السيارات طلبيات الإمدادات، بما فى ذلك الأجزاء التى تتطلب أشباه موصلات، وفى الوقت نفسه، ارتفع الطلب على الرقائق ذات الهامش الأعلى المستخدمة فى صناعة أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة حيث بدأ معظم البلاد العمل من المنزل، وعندما انتعش الاقتصاد بسرعة أكبر من المتوقع، كانت النتيجة أزمة فى معروض شركات السيارات، والآن قد يستغرق الأمر شهورا قبل أن يعود الإنتاج إلى طبيعته.
وعلى المدى القصير، لا يستطيع بايدن فعل الكثير لحل هذه المشكلة، وكانت بعض الشركات مستعدة لمثل هذه الاضطرابات، على سبيل المثال، تمتلك شركة Toyota Motor Corp مخزونا وفيرا من الرقائق، والبعض الآخر لم يكن كذلك، لكن التدخل الحكومى فى هذه المرحلة المتأخرة لن يؤدى إلى عودة الإنتاج فى أى وقت قريب، ومن الأفضل ترك الأمر لقوى العرض والطلب.
أما على المدى الطويل، فإن هذا الحادث يسلط الضوء على نقطة ضعف خطيرة، وتلعب أشباه الموصلات دورا مهمًا فى الاقتصاد الأمريكى، فهى تزيد إنتاجية العمالة، وتزود كل شىء بالطاقة من الأجهزة الطبية إلى الإلكترونيات الاستهلاكية إلى الذكاء الاصطناعى، ومع ذلك، فقد انخفضت حصة الرقائق العالمية المنتجة محليًا من 37% فى عام 1990 إلى 12% اليوم، وتعتقد جماعات القطاع الصناعى أن حوالى 6% فقط من الإنتاجية الجديدة سيتم بناؤها فى الولايات المتحدة على مدى السنوات القليلة المقبلة، مقارنة بنحو 40٪ فى الصين.
وإذا تُركت هذه المشكلة دون معالجة، فسيؤدى ذلك إلى زيادة تركز أعمال صناعة الرقائق فى شرق آسيا، وهو ما بدوره سيعزز مخاطر سلاسل التوريد على الشركات الأمريكية، وربما يضعف الريادة الأمريكية، كما أنه بمثابة تهديد للأمن القومى نظرا لأن الجيش يحتاج حوالى 1.9 مليار رقاقة سنويًا من أجل الأسلحة وأنظمة الاتصالات والاستخبارات “بجانب أشياء أخرى”.
وتتمثل الخطوة الأولى الأساسية، كما يبدو أن بايدن يدرك، فى وضع استراتيجية جديدة مع حلفاء الولايات المتحدة، ونظرا لأن اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وأوروبا يساهمون بشكل كبير فى أعمال أشباه الموصلات العالمية، يتعين عليهم إنشاء تحالف سلسلة إمداد استراتيجى يسمح لهم بالتعاون فى جهود البحث والتطوير، وتنسيق ضوابط التصدير، وتوسيع برامج “المسابك الموثوقة” واتخاذ خطوات أخرى لزيادة المرونة المتبادلة.
وبعد ذلك، يجب تعزيز التمويل الفيدرالى لأبحاث أشباه الموصلات والذى توقف فى السنوات الماضية، وبحسب أحد التقديرات، فإن كل دولار يُستثمر فى مثل هذه البرامج يدر 16.50 دولار أمريكى فى الناتج المحلى الإجمالى الإضافى، وربما الأهم من ذلك أن الاستثمار الإضافى يجب أن يعزز الاكتفاء الذاتى، ويساعد فى بناء قوة عاملة ماهرة، ويضع حجر الأساس لصناعات المستقبل.
وتتمثل المهمة الأصعب بكثير فى تشجيع الشركات على تصنيع الرقائق محليًا، وعلى الرغم من أن اثنين من كبار المصنعين قد صرحا مؤخرًا أنهما يبنيان أو يفكران فى إنشاء مصانع جديدة فى الولايات المتحدة، فإن الحقيقة هى أن الولايات المتحدة فى وضع صعب للغاية بسبب ارتفاع تكاليف العمالة والدعم الحكومى فى الخارج.
ووجدت إحدى الدراسات أن التكلفة الإجمالية لامتلاك منشأة جديدة لصناعة الرقائق فى الولايات المتحدة أعلى بنسبة 30% على مدى 10 سنوات مما هى عليها فى تايوان أو كوريا الجنوبية، وأعلى بنسبة 50% منها فى الصين، وتشكل الحوافز الحكومية حوالى 70% من الفرق.
ويتعين على الكونجرس أن يسعى لتقليص هذا الخلل، وفى الشهر الماضى، اعتمد المشرعون مجموعة من البرامج لتعزيز التصنيع المحلى للرقائق، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز الجهود لتأمين الحصول على رقائق وغيرها من المنتجات، وينبغى على المشرعون تأمين تمويل لهذه الجهود، وقد يساعد أيضا تقديم إعفاءات ضريبية للمصانع التى تصنع أشباه الموصلات ومعدات صناعة الرقائق، ولا ينبغى أن يكون الهدف من هذه الجهود خلق فرص عمل – لأن مثل هذه المرافق مؤتمتة بشكل كبير – أو دعم الشركات الفردية، وبدلاً من ذلك يجب أن يكون الهدف هو تسوية ملعب اللعب، وخلق سلاسل إمداد أكثر مرونة، وحماية الأمن القومى.
ولن يكون تحقيق ذلك سهلا، ولكن بالنسبة للبلد الذى اخترع الدائرة المتكاملة، لا ينبغى أن يكون مستحيلا.
بقلم: افتتاحية وكالة أنباء “بلومبرج”