فيتش: خدمة الدين تلتهم 10.4% من إيرادات العام الحالي مقارنة بـ3.3% في الدول المتقدمة
تواجه الاقتصادات الناشئة مزيجاً ساماً، مكوناً من ارتفاع تكاليف التمويل ونمو أكوام الديون سريعاً والنمو الاقتصادي المضطرب في عام 2021، في حين تناضل للتعافي من التداعيات الاقتصادية لتفشي الوباء.
ورفعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخراً، توقعاتها للاقتصاد العالمي، لكن معظم هذا التحسن يشكل مصدر إفادة للعالم المتقدم.
كما أنها حذرت من أن نمو الاقتصادات الناشئة سيظل أقل بنسبة تتراوح بين 3% و4% من مسار نموها قبل الوباء بحلول نهاية العام المقبل.
ووجهت التوقعات ضربة لآمال تمكن الدول، الهشة مالياً، من الخروج من التوسع الهائل في الإنفاق العام الذي قام به كثيرون العام الماضي، في محاولة لتخفيف الأضرار التي لحقت بأنظمة الرعاية الصحية والاقتصادات بسبب الوباء وتدابير الإغلاق.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن صندوق النقد الدولي والهيئات الأخرى حثت حكومات العالم على إنفاق كل ما في وسعها أثناء الوباء، ثم الشعور بالقلق لاحقاً بشأن الديون.
وهذا ما فعله الكثيرون، إذ بلغ الدين العام للبرازيل 102% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الماضي، في حين بلغ الدين العام للهند 89% وجنوب أفريقيا 82%، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.
وفي الوقت نفسه، قامت تريليونات الدولارات التي ضختها الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى في الأسواق المالية العالمية كجزء من استجابتها الوبائية، بدفع تكاليف الاقتراض إلى الانخفاض.
وذكرت وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” أن خدمة الدين العام للاقتصادات المتقدمة سوف تقدر بـ3.3% من الإيرادات الحكومية هذا العام، بارتفاع طفيف من نسبة 3.1% المسجلة في عام 2019، وذلك رغم الزيادة الهائلة في الديون والانخفاض الحاد في الإيرادات الضريبية.
لكن معظم الاقتصادات الناشئة لا تزال لديها معدلات فائدة أعلى بكثير. وفي المتوسط، ستنفق تلك الاقتصادات 10.4% من الإيرادات على مدفوعات الفائدة لهذا العام، بارتفاع من 8% في عام 2019.
ونتيجة ذلك، فإن المبلغ الذي تعتزم حكومات الاقتصادات الناشئة إنفاقه على مدفوعات الفائدة العام المقبل سيعادل إنفاق الاقتصادات المتقدمة- حوالي 860 مليار دولار لكل مجموعة- رغم أن الاقتصادات المتقدمة اقترضت نحو ثلاثة أضعاف الاقتصادات الناشئة، وفقا لـ”فيتش”.
وقال رئيس محللي التصنيف السيادي لدى “فيتش”، جيمس مكورماك: “كل المحادثات التي نسمعها تدور حول ضرورة استفادة الحكومات من أسعار الفائدة المنخفضة للاقتراض والإنفاق، لكن إذا لم تكن من الدول التي تتمتع بأسعار فائدة منخفضة، فإن العبء على الحسابات العامة يستمر في النمو”.
وأشار المحللون إلى أن الدول الأكثر ضعفاً هي تلك التي يكون متوسط سعر الفائدة على ديونها أعلى من معدل نموها.
وقال رئيس اقتصاديات الأسواق الناشئة في “سيتي بنك”، ديفيد لوبين: “يظل سعر الفائدة الحقيقي طويل الأجل في جنوب أفريقيا قريباً من 4%، وبالتالي فإنه يعتبر مرتفعاً بشكل سخيف عندما يبلغ معدل النمو الاقتصادي المحتمل 1.5% تقريبا”.
وأشار إلى أن الدين الذي يجب أن يقلق الناس بشأنه هو ذلك الخاص بالدول التي ليس لديها نموذج نمو موثوق.
وتشير أرقام معهد التمويل الدولي إلى أن البرازيل والمكسيك تواجهان مشكلة مماثلة، في حين أن دولاً مثل إندونيسيا وتركيا والهند أقل عرضة للخطر.
ورغم أن تكاليف خدمة الديون في الهند العام الماضي استهلكت أكثر من ربع عائداتها الحكومية، يعتقد المستثمرون أن اقتصادها سينمو بسرعة كافية للحفاظ على ثبات قيمة عملة الروبية وحتى الارتفاع مقابل الدولار الأمريكي.
وأشار معهد التمويل الدولي إلى أن الهند تبيع السندات بآجال استحقاق طويلة الأجل، مما يحد من مخاطر إعادة التمويل، كما أن المستثمرين الأجانب يملكون أقل من 2% من ديونها المحلية، ما يعني أن أسواقها ليست عرضة لتدفقات خارجة مفاجئة لرأس المال الأجنبي.
ويحذر المحللون من أن هذا الأمر يترك هذه الدول تكافح من أجل السيطرة على تكاليف تمويلها، فعلى سبيل المثال كانت البرازيل تبيع السندات في سوقها المحلي بآجال استحقاق أقصر، إذ تراجع متوسط أجل استحقاق الدين الحكومي الجديد إلى عامين في عام 2020، بانخفاض من أكثر من خمسة أعوام في عام 2019.
ومعروف أن السندات قصيرة الأجل أرخص في الإصدار، لكن يجب سدادها بسرعة أكبر، وهو قرار صعب في أوقات الأزمات.
ويعتبر العديد من الاقتصاديين أن مشكلة ديون جنوب أفريقيا هي الأصعب في الحل بسبب حجم التعديل المالي المطلوب.
وأشار البنك المركزي الجنوب أفريقي إلى أن ديون بريتوريا تتمتع بآجال استحقاق طويلة- بمتوسط يزيد على 13 عاماً- كما أن أسواق رأس المال المحلية أعمق من تلك الموجودة في الاقتصادات الناشئة الكبيرة الأخرى.
لكن رغبة المستثمرين الأجانب في شراء سنداتها تتعرض لضغوط، إذ ذكر معهد التمويل الدولي إن المستثمرين امتلكوا نحو 30% من ديونها المقومة بالعملة المحلية نهاية العام الماضي، بانخفاضا من 40% تقريبا بين عامي 2017 و2019.
وتساعد قدرة الاقتصادات الناشئة على بيع الديون بعملتها المحلية على التخفيف من الشكل الكلاسيكي لأزمة ديون الأسواق الناشئة، حيث يؤدي نقص الدولارات إلى تثبيط القدرة على سداد الديون الخارجية.