50 مليار دولار مشتريات الأجانب لسندات المنطقة فى أول شهرين من العام الجارى
لطالما شعرت آسيا بأسوأ الاضطرابات عند تحول المشاعر العالمية ضد الاستثمار فى الدخل الثابت، لكن أسواق الدخل الثابت فى المنطقة تحدت التوقعات وظلت صامدة وسط عمليات بيع فى سوق السندات العالمية خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ومع ذلك، قال المستثمرون والمحللون إن علاوة العائد التى تقدمها المنطقة مقارنة بأقرانها فى الأسواق المتقدمة وميزانيات الشركات والحكومة السليمة وقاعدة المستثمرين المحليين المتزايدة تعنى أن جاذبيتها على المدى الطويل لا تزال سليمة.
وأفادت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية بأن الزيادة فى عائدات السندات طويلة الأجل فى الأسواق المتقدمة تعيد إلى الأذهان ما حدث عندما تفشى وباء «كورونا» حول العالم العام الماضى أو نوبة الغضب فى عام 2013، عندما كشف البنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى النقاب عن تفكيره فى خفض مشتريات الأصول، ما أثار التقلبات السوقية الحادة.
وفى ذلك الوقت، أثار هذا الأمر الفزع فى الأسواق الناشئة، بما فى ذلك الهند وإندونيسيا، اللتان تمت تسميتهما من قبل مورجان ستانلى بجانب البرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا، على أنها «خمسة اقتصادات هشة» بسبب اعتمادها على رأس المال الأجنبي.
وقال شون تيلور، كبير مسئولى الاستثمار لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى شركة «دى دبليو إس جروب» الألمانية لإدارة الأصول فى هونج كونج: «يجب أن يستمر المستثمرون فى التركيز على أسواق الدخل الثابت فى آسيا الناشئة، بالنظر إلى زيادة العوائد الجذابة مقابل سندات الخزانة الأمريكية».
جدير بالذكر، أن تيلور يفضل معدلات الفائدة والائتمان فى الأسواق الناشئة، خاصة من آسيا، حيث تتضاءل الشكوك التجارية فى عهد الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن.
ومن المتوقع أن تستفيد آسيا الناشئة أيضاً من الانتعاش العالمي، فهى تتمتع بمعدلات فائدة منخفضة نسبياً، فضلاً عن امتلاك البنوك المركزية هناك كثيراً من الاحتياطيات.
وكان المستثمرون الأجانب مشترين صافين للسندات الآسيوية هذا العام، فقد استحوذوا على 23.1 مليار دولار فى فبراير، ما رفع الحجم الإجمالى لمشتريات السندات إلى أكثر من 50 مليار دولار خلال أول شهرين من العام، وجدير بالذكر أن الاستثمار فى السندات الصينية عزز حجم مشتريات السندات الآسيوية.
وأظهرت البيانات أن المستثمرين الأجانب اشتروا صافى سندات صينية يصل إلى 41.5 مليار دولار منذ بداية العام، أى ما يقرب من ثلث المشتريات فى عام 2020 بأكمله، حيث بلغ إجمالى التدفقات الداخلة 15 مليار دولار فى فبراير عندما بدأت أسواق الدخل الثابت فى التدهور.
وفى الوقت الذى شهدت فيه الهند وإندونيسيا تدفقات خارجة، قال المحللون إن الأحجام كانت منخفضة مقارنة بعمليات البيع السابقة، كما أن الدولتين لم تشهدا ارتفاعاً فى العوائد أو ضعف العملة كما فى الماضي.
وقال أفيناش ثاكور، رئيس منشأ الديون لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ فى «باركليز»: «أحد الأسباب الرئيسية للصمود هو حقيقة ارتفاع السيولة المقومة بالدولار لدى المستثمرين المحليين.. المزيد من الصفقات تحدث مع السيولة المحلية وبالتالى فإن الحاجة إلى هروب رؤوس الأموال بعيداً عن آسيا تتراجع أيضا».
وأوضحت بيانات جمعتها شركة «ريفينيتيف» أن المستثمرين المحليين استحوذوا على أكثر من نصف السندات الدولارية البالغة 420 مليار دولار، الصادرة عن الشركات والحكومات فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، باستثناء اليابان.
وجدير بالذكر أن إعادة تسعير السندات تنبع من التوقعات المحسنة للنمو الاقتصادى الأمريكى، حيث تتسارع وتيرة التلقيح ضد الوباء وموافقة بايدن على حزمة التحفيز المالى البالغة 1.9 تريليون دولار، والتى عززت توقعات التضخم.
وقال توماس بولاويك، من «تى رو برايس لإدارة الأصول»: «هناك نقاش ساخن حول ما إذا كان ارتفاع التضخم ظاهرة طويلة الأجل، فإذا لم يكن ارتفاع العوائد مدفوعاً فى الأساس بالتضخم، فإن الإجابة هى اختيار أسواق أكثر دفاعاً داخل السندات الآسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية، ومع ذلك، إذا كانت مدعومة بالتضخم، فإن السندات من منتجى السلع الأساسية مثل إندونيسيا وماليزيا ستكون مجدية».
وقال فريدريك نيومان، الرئيس المشارك للاقتصاد الآسيوى فى «إتش إس بى سى» فى هونج كونج: «ربما يكون التضخم، الذى يثار قلق السوق بشأنه، مؤقتاً مع إعادة فتح الاقتصاد الأمريكى، ما يعزز القطاعات المتدنية مثل السياحة والترفيه، هذه ليست زيادة فى التضخم طويل الأمد الذى يكون مدفوعا بضغوط الأجور».
ومع ذلك، قال إن تحسن ثروات الاقتصاد الأمريكى والاحتمالات المتزايدة لزيادة أسعار الفائدة الأمريكية على المدى الطويل يدفعان المستثمرين إلى تغيير وضعهم من الاحتفاظ بسندات طويلة الأجل إلى خفض ملف ديونها.
وأوضح نيومان أن الاستقرار يجب أن يعود بمجرد حدوث ذلك، ما يدعم السندات الآسيوية بشكل أكبر، بالنظر إلى ملف النمو والمستويات القياسية لاحتياطيات النقد الأجنبى التى تحتفظ بها دول مثل الهند وإندونيسيا.
ويقترب احتياطى النقد الأجنبى فى الهند، الذى تستخدمه البنوك المركزية لدعم الالتزامات والتأثير على السياسة النقدية، من 600 مليار دولار، فى حين أنه يتجاوز حاجز الـ130 مليار دولار فى إندونيسيا.
وتتضح مرونة أسواق السندات الآسيوية هذه المرة من طريقة تحرك العوائد، فمنذ بداية فبراير ارتفعت عوائد السندات مرتفعة العائد فى الأسواق الآسيوية بمقدار 50 نقطة أساس فقط مقارنة مع ارتفاع من 7.5% إلى 16% فى مارس الماضى وسط عمليات بيع ناتجة عن تفشى «كوفيد-19»، و 300 نقطة أساس فى عام 2013.
وتحركت عائدات السندات الحكومية الصينية بالكاد، بينما ارتفعت الأوراق المالية الهندية والإندونيسية لأجل 10 سنوات.
ويُنظر إلى خمسة عشر اقتصادا ناشئا فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما فى ذلك الصين والهند وإندونيسيا وفيتنام، باعتبارها محركاً للنمو العالمى فى عام 2021، حيث يتوقع نمو الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 8.2% فى عام 2021 و6% فى العام المقبل، بحسب صندوق النقد الدولي.
ويقدر صندوق النقد الدولي، ومقره واشنطن، أن الاقتصادات المتقدمة فى المنطقة- أستراليا ونيوزيلندا وهونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان- يمكن أن تسجل نمواً نسبته 3.7% هذا العام و2.7% العام المقبل.