ضغوط على الشركات المنتجة لـ”الرقائق” لإعطاء الأولوية لقطاع السيارات
عندما أدرك دونج، المؤسس والرئيس التنفيذى لإحدى الشركات الناشئة المتخصصة فى الأجهزة والمعدات فى تايبيه، أن صناعة التكنولوجيا العالمية تواجه نقصاً خطيراً فى الرقائق، لم يكن بإمكانه فعل الكثير حيال ذلك.
قال دونج، الذى تعمل شركته على تصنيع حواسيب صناعية ميسورة التكلفة: «عندما أدركت النقص الحقيقى فى المكونات خلال يناير الماضي، كان الأوان قد فات بالفعل».
وأضاف: «أخبرنى بعض الموردين أنه يتعين على الانتظار حتى أكتوبر أو بعد ذلك للحصول على بعض الرقائق الإلكترونية، التى اعتدت أن أطلبها قبل شهر واحد فقط من استخدامها، وهذا يعنى أننى قد لا أمتلك أى شىء قابل للشحن على مدار العام بأكمله تقريباً، حتى لو كانت هناك طلبيات من العملاء».
وبعد أربعة أشهر، أصبح نقص الرقائق حاداً ومتجذراً ومتأصلاً لدرجة التأثير على الشركات العملاقة مثل «آبل» و«سامسونج إلكترونيكس»، بل واتخذ طابعاً سياسياً ودبلوماسياً، حسبما ذكرت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
وفى 12 أبريل، عقد الرئيس الأمريكى جو بايدن اجتماعاً فى البيت الأبيض مع المديرين التنفيذيين التقنيين من شركات «إنتل» و«تايوان لصناعة أشباه الموصلات» و«سامسونج إلكترونيكس»، وصانعى السيارات، مثل «فورد موتور» و«جنرال موتورز»، لمناقشة نقص الرقائق ومرونة سلاسل التوريد العالمية.
وأصبحت أزمة العرض قضية ملحة للحكومات عندما بدأت تضرب صناع السيارات بداية العام الحالي.
فقد بدأت الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، أكبر ثلاث دول فى العالم فيما يتعلق بصناعة السيارات، الضغط على اقتصادات صناعة الرقائق الرئيسية الآسيوية- كوريا الجنوبية وتايوان- لإعطاء الأولوية لرقائق السيارات، حتى لو كان على حساب العملاء الآخرين، مثل صانعى الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب.
وكانت الحكومات الثلاث حذرة من اضطرار صانعى السيارات إلى إبطاء الإنتاج أو حتى إيقافه بسبب نقص الرقائق، ما يهدد الوظائف المحلية والتعافى الاقتصادى من الجائحة، وبالتالى استجابت شركات، منها «تايوان لصناعة أشباه الموصلات» و«سامسونج» من خلال توفير الرقائق بأسرع ما يمكن.
ومع ذلك، فإنَّ الضغط السياسى لإعطاء الأولوية لاحتياجات شركات صناعة السيارات أدى إلى زيادة الضغط على سلاسل الإمداد. وقال مارك ليو، رئيس مجلس إدارة شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات: «أعدنا التفاوض مع بعض عملائنا وقمنا بتلبية دعوة الحكومة لإعطاء الأولوية لرقائق السيارات الهامة بالنسبة للاقتصاد العالمى، الأمر مختلف عما كان فى الماضي، عندما كان تخصيص طاقة إنتاج الرقائق يعتمد على مبدأ من يأتى أولا يُخدم أولا».
وأشارت المجلة إلى أن إحدى نتائج هذه الفوضى تتمثل فى نمو المنافسة الشرسة بالفعل فى صناعة التكنولوجيا بشكل أكثر حدة. فعلى سبيل المثال، قدم بعض صانعى الحواسيب طلبيات أكبر وأقدم بكثير مما كان مخططاً له فى الأصل لامتصاص السعة وإعاقة قدرة منافسيهم على تأمين الإمدادات.
وفى الوقت نفسه، يقوم آخرون بالتصرف بطريقة ودودة للغاية فى محاولة يائسة للحفاظ على تدفق الإمدادات.
ورغم أن الارتفاع المفاجئ فى الطلب القادم من صانعى السيارات أدى إلى تفاقم أزمة المعروض، فإن جذور المشكلة تعود إلى ما هو أبعد من ذلك.
وكان تفشى الوباء فى بداية العام الماضي، الذى أدى لفرض إجراءات الإغلاق والحجر الصحى فى جميع أنحاء الصين، سبباً فى تعطل سلسلة الإمداد التكنولوجي، لكن عندما عادت عمليات التسليم إلى المسار الصحيح، تسابق صانعو الإلكترونيات لحجز مخزون أكثر مما كانوا يحصلون عليه فى الماضى لضمان عدم المعاناة من نقص المعروض مرة أخرى.
وأثر الوباء على جانب الطلب فى المعادلة أيضاً، إذ حفز فرض وإلغاء عمليات الإغلاق والاعتماد الجماعى على العمل والتعلم عن بُعد حدوث تحول رقمى هائل، كما أدى اعتماد شبكات الجيل الخامس والهواتف الذكية، التى تتطلب مزيدا من الرقائق والمكونات الإلكترونية، إلى زيادة سرعة التحول.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الحرب التكنولوجية التى نشبت بين الولايات المتحدة والصين، حتى قبل تفشى الوباء، فى إجهاد سلسلة الإمداد.
فعندما فرضت واشنطن قيوداً صارمة على إمكانية حصول شركة «هواوي» على التكنولوجيا الأمريكية الحيوية، قامت الشركة الصينية بتخزين أكبر عدد ممكن من الإمدادات، كما أن الشركات الصينية الأخرى حذت حذو «هواوي» خوفاً من التعرض لمعاملة مماثلة، وبالتالى كانت النتيجة ارتفاعاً هائلاً فى الطلب على الرقائق والمكونات الحيوية الأخرى.
وكانت شركة «هواوي» قد ألقت باللوم علنا على الولايات المتحدة فى التسبب فى أزمة عالمية، قائلة إن عقوبات واشنطن على شركات التكنولوجيا الصينية أدت إلى نوبة ذعر تجاه شراء المكونات والرقائق التى تسببت بدورها فى تعطل سلسلة الإمداد.
وقال إريك شو، رئيس مجلس الإدارة المناوب لـ«هواوي»: «من الواضح أن العقوبات الأمريكية غير المبررة ضد هواوى وغيرها من الشركات الصينية تخلق نقصاً فى الإمدادات على مستوى الصناعة، وقد يؤدى ذلك إلى أزمة اقتصادية عالمية جديدة».
وما جعل الأمور تزداد سوءاً، تكثيف بعض منافسى «هواوى» طلباتهم على أمل انتزاع حصة السوق من الشركة الصينية المحاصرة. وقال أحد المسئولين التنفيذيين فى صناعة الرقائق، فى تصريحات لـ«نيكاى آسيان ريفيو»: «الجميع يعتقد بإمكانية الاستيلاء على الحصة السوقية الكاملة التى خسرتها هواوي»، مشيراً إلى أن «شاومي» و«سامسونج» و«أوبو» و«فيفو» ليست سوى بعض علامات مصنعة للهواتف الذكية اكتسبت مكانة عالمية على حساب «هواوي».
وذكرت المجلة اليابانية أن الازدهار فى طلبيات الرقائق أدى إلى امتصاص الطاقة الإنتاجية بأكلمها تقريباً للرقائق والمكونات. وأوضحت أن أحد أسباب صعوبة التغلب على أزمة الإمداد هو الوقت الطويل اللازم لزيادة الطاقة الإنتاجية، إما فى المرافق الحالية أو عبر بناء مصانع جديدة.
وثمة سبب آخر يتمثل فى أن النقص بدأ يؤثر على صانعى معدات الرقائق، ما يعنى أنه حتى لو أرادت الشركات توسيع طاقتها الإنتاجية- ولم يكن الجميع على استعداد لتحمل هذه المخاطرة- فإنها ستواجه تأخيرات طويلة فى انتظار الطلبيات الجديدة.
وقال والاس كو، الرئيس والمدير التنفيذى لشركة «سيلكون موشن» الرائدة فى تطوير الرقائق: «قد يكون هذا النقص الخطير فى الرقائق ضاراً، خصوصاً بالنسبة للعديد من الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة، فكثير منهم قد يتوقف عن العمل إذا لم يتم توفير بعض إمدادات الرقائق الحيوية فى الوقت المناسب».