يستمتع فرناندو جونزاليس بالظل الذى توفره مرآة مساحتها 140 متراً مربعاً، والتى تعمل على انعكاس أشعة الشمس نحو «جهاز استقبال» على برج ارتفاعه 250 متراً فى صحراء أتاكاما، لكنه أكثر فخراً بما تحققه التكنولوجيا فى شمال تشيلى، قائلاً: «نحن نصنع التاريخ هنا».
ويوضح «جونزاليس»، أن هذه أول محطة للطاقة الشمسية من نوعها فى أمريكا اللاتينية، مشيراً إلى الأنابيب التى تنقل الملح المنصهر إلى جهاز الاستقبال.
وتصل درجة حرارة الملح بالفعل إلى 290 درجة مئوية، لكن عندما يلبى القوة المشتركة لتقنية «هيليوستاتس»- وهو جهاز يشتمل على مرآة تحفاظ على انعكاس ضوء الشمس وفقاً لهدف محدد مسبقاً- تتضاعف درجة الحرارة تقريباً إلى 565 درجة مئوية، ثم يتم ضخها سائل التكسير لتشغيل توربين بخارى يعمل على توليد الكهرباء.
وإجمالاً، يمكن لتقنية الطاقة الشمسية المركزة فى مشروع «سيرو دومينادور»- الذى تبلغ تكلفته 1.4 مليار دولار- إنتاج ما يصل إلى 110 ميجاوات من الطاقة، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
ويأتى ذلك جنباً إلى جنب محطة كهروضوئية قريبة، بدأت العمل هذا الشهر، توفر ما يصل إلى 100 ميجاوات من الطاقة، والتى تنضم بدورها إلى خمسة مصانع أخرى، يتواجد اثنان منها فى الصين وواحد فى كل من الولايات المتحدة وإسبانيا والمغرب.
بفضل أفضل إشعاع شمسى على هذا الكوكب، أصبح شمال تشيلى فى الأعوام الخمسة الماضية مركزاً للطاقة المتجددة، خصوصاً أن الإنتاج الضخم أدى إلى انخفاض أسعار الألواح الشمسية.
واستطاعت تشيلى خلال العام الماضى تحقيق هدفها لعام 2025 من خلال إنتاج خُمس طاقتها الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة، لكن نجحت حتى الآن هذا العام فى توليد ما لا يقل عن 25% من طاقتها- وأكثر من ضعف ذلك فى ساعات الذروة- من المحطات العاملة عبر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ويقول داريو موراليس، مدير الأبحاث فى الرابطة التشيلية للطاقة المتجددة والتخزين: «هذه لن تشهد سوى الازدياد»، موضحاً أن تشيلى أضافت ما يصل إلى 1000 ميجاوات من الطاقة المتجددة فى كل من الخمسة أعوام الماضية، وقد يصل هذا الرقم إلى 5000 ميجاوات فى عام 2021، مع بدء تشغيل المشاريع الجديدة.
وأشار إلى أن المشكلة تكمن فى أن المشاريع التى تقدم طاقة جديدة للمستهلكين تتأخر عن موعدها المحدد ويجب إصلاح ذلك سريعاً.
ويجادل موراليس بأن التقنيات الجديدة ضرورية أيضاً لخلق توازن أفضل بين العرض والطلب، مثل أنظمة تخزين الطاقة واسعة النطاق أو محطات الطاقة النظيفة التى تعمل على مدار 24 ساعة فى اليوم.
كما تعد تقنية الملح المنصهر المستخدمة فى مشروع «سيرو دومينادور» أحد الأمثلة على ذلك، لكن يتم الاستفادة أيضاً من الطاقة الحرارية الجوفية التى تتمتع بها تشيلى.
ويقول رودريجو بالما، أخصائى الطاقة بجامعة تشيلى فى سانتياجو: «ثورة الطاقة المتجددة فى تشيلى تتيح لنا الحلم بأشياء كثيرة»، مشيراً إلى أن نقاش اليوم يدور حول ما إذا كان بإمكان الدولة توجيه مواردها المتجددة لإنشاء صناعات مرتبطة بها، فهذا من شأنه إضافة التنوع إلى الاقتصاد الذى يعتمد منذ فترة طويلة على صادرات النحاس.
ويقترح البعض أن تصنيع الألواح الشمسية أو البطاريات من شأنه أن يربط تشيلى بسلاسل التوريد العالمية.
ويمكن للبلاد أيضاً تصدير الطاقة عبر خطوط النقل، ربما حتى إلى أمريكا الشمالية، أو استخدام الطاقة الرخيصة باعتبارها وسيلة جذب للشركات الأجنبية لبناء المصانع.
لكن الموضوع الأكثر إثارة للجدل هو الهيدروجين الأخضر، الذى يتم تصنيعه باستخدام الكهرباء من الطاقة المتجددة لتحليل المياه بالكهرباء وفصل الهيدروجين عن الأكسجين.
ويأمل المسئولون الحكوميون أن تصدر تشيلى هيدروجين أخضر بقيمة 30 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2050، وهو ما يعادل مكاسب الدولة من صادرات النحاس فى الوقت الراهن. والوقود الأحفورى فى طريقه للتلاشى، ولا يرجح أن تضطر البلاد إلى الاعتماد على الغاز للامتثال لاتفاقية باريس للمناخ، كما تنوى العديد من الدول الأخرى.
ولم تعد تشيلى مضطرة أيضاً لاستيراد الطاقة، التى كانت تستنزف 10 مليارات دولار سنوياً من الحسابات القومية، كما أن الحكومة حددت عام 2040 موعداً لإغلاق محطات الفحم التى بنتها بسرعة وبتكلفة زهيدة لحل مشاكلها قبل وصول مصادر الطاقة المتجددة.