كان من المفترض أن تكون الهند، ثالث أكبر مستهلك للبترول فى العالم بعد الولايات المتحدة والصين، محركا رئيسيا لتعافى الطلب على النفط مع إعادة فتح الاقتصادات، لكن الأزمة الصحية المدمرة فى الدولة جعلت ذلك مستحيلا، ويشعر الجميع بدءا من متداولى البترول إلى أكبر المنتجين فى العالم بالذعر.
ويواجه رئيس الوزراء الهندى، ناريندرا مودى، انتقادات متزايدة بسبب زيادة حالات الإصابة بفيروس “كورونا” التى بدأت بعد وقت قصير من إعلان حكومته أن البلاد “فى نهاية لعبة جائحة كوفيد -19″، وسمحت بتجمعات انتخابية كبيرة وأعطت الضوء الأخضر لاحتفالات “كومبه ميلا” الدينية التى جذبت حوالى 3.5 مليون مصلى.
وكما كتب زميلى، ديفيد فيكلينج، فى مقال على “بلومبرج”، فإن الوضع الحالى فى الهند يعنى أن كوفيد قد يقتل عددا أكبر من الأشخاص فى عام 2021 مقارنة بالعام الماضي، ومن المرجح أن يكون عدد الوفيات بسبب الوباء فى البلاد أعلى بعدة أضعاف مما تشير إليه الأرقام الرسمية.
ويعد الرقم القياسى لحالات الإصابة الجديدة بفيروس “كورونا” فى الهند مأساة إنسانية، كما أن لها تداعيات خطيرة على قطاع البترول العالمى.
وكانت الهند واحدة من النقاط المضيئة فى نمو الطلب على البترول بجانب الصين، حيث يبدو أن الوباء قد تمت السيطرة عليه، والولايات المتحدة وبريطانيا حيث سمح التطعيم على نطاق واسع باستئناف النشاط الاقتصادى والسفر الترفيهى وإن كان ببطء، وكان من المتوقع أن يكون الطلب على البترول فى ثالث أكبر سوق للنفط فى العالم أعلى أو قريبا من مستويات ما قبل الوباء العام الجارى، ومن المؤكد أن يتم تعديل هذه التوقعات هبوطيا الآن.
وأفاد زميليّ فى “بلومبرج نيوز”، ديبجيت تشاكرابورتي، وساكيت سوندريا، أن استهلاك الديزل والبنزين مجتمعين فى الهند الشهر الجارى قد ينخفض بنسبة تصل إلى 20% مقارنة بمستويات مارس إذ أصبحت الشوارع فى المدن الكبرى مثل نيودلهى ومومباى هادئة بشكل مخيف.
ومن المحتمل أن تؤثر تحذيرات البقاء فى المنزل على استهلاك وقود السيارات، والذى كان مدعوما حتى الآن من خلال التحول الشامل من وسائل النقل العام إلى السيارات الخاصة والدراجات النارية، وأثرت القيود أيضًا على النقل بالشاحنات والحافلات، ما أدى إلى خفض أعمالهم إلى النصف، وفقًا لاتحاد النقل بالشاحنات.
ومن المتوقع أن تخفض المصافى عملياتها استجابة لانكماش الطلب، ما يؤدى إلى تراكم مخزونات الخام التى ستؤثر على عمليات الشراء المستقبلية حتى بعد تحسن الوضع، ومن شبه المؤكد أن مشتريات البترول الخام من قبل مصافى التكرير الهندية ستنخفض إذا استمر تفشى المرض والقيود المرتبطة به.
ولن يقتصر التأثير على الدولة الواقعة فى جنوب آسيا فحسب وإنما بدأت دول بدءا من بريطانيا إلى كندا فى حظر السفر الجوى من الهند وسيؤثر ذلك على الطلب الدولى على وقود الطائرات، الذى لا يزال يعاني.
كما بدأ القلق يتسرب إلى أكبر منتجى البترول فى العالم، وكانت مجموعة “أوبك بلس”، التى تضم دول مثل السعودية والعراق والإمارات وروسيا، تعتمد على زيادة الطلب لدعم أسعار البترول الخام وتخفيف تخفيضات الإنتاج القياسية، وقد يتعين عليها الآن إعادة النظر.
ومن المقرر أن يعقد الوزراء اجتماعهم الشهرى المقبل فى وقت لاحق من الأسبوع الجاري، وعندما اجتمعوا بداية الشهر، اتفقوا على جدول زمنى لتخفيف بعض تخفيضات الإنتاج فى مايو ويونيو ويوليو، والآن قد يتعين عليهم مراجعة هذه الخطط قبل أن تدخل حيز التنفيذ.
وكانت المجموعة تعتزم إضافة 2.14 مليون برميل يوميا إلى الإمدادات العالمية بين مايو ويوليو، وكانت تدرس تقليص الاجتماع القادم إلى جلسة فنية واحدة فقط لمراقبة تقدم الأعضاء، ولكن قد لا يكون هذا ممكنا بعد الآن.
وقد يكون المنتجون فى الشرق الأوسط الأكثر عرضة للخطر إذ يستغرق شحن البترول الخام من الخليج العربى إلى الهند من خمسة إلى ستة أيام، مقارنة بخمسة إلى ستة أسابيع للشحن من خليج المكسيك، ولن يكون قرار الهند بوقف المشتريات من المنتجين الأمريكيين ملموسا فى انخفاض الأحجام التى تصل إلى صهاريج التخزين الخاصة بها حتى يونيو، أما إذا اتخذت قرار مماثل بشأن إمدادات الشرق الأوسط، فيمكن الشعور به قبل نهاية أبريل.
وكانت الهند تبحث بالفعل عن بدائل للخام السعودى بعد أن توترت العلاقات بسبب الأسعار، وسيؤدى انهيار الطلب إلى تسريع هذه العملية.
وبعد تأجيل تخفيف تخفيضات الإنتاج التى كانت مقررة فى يناير، كانت مجموعة “أوبك بلس” تأمل فى أن تعود الأمور إلى مسارها الصحيح بحلول يوليو، ولكن الركود فى الطلب الهندى على البترول سيجعل ذلك أكثر صعوبة، ما يجبرهم إما على تأخير فتح الصنابير مرة أخرى أو المخاطرة بإضعاف أسعار الخام، ولا أحد منهم يريد ذلك.
بقلم: جوليان لى، استراتيجى البترول فى وكالة “أنباء بلومبرج”
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”