طوال عام 2020، أدى نجاح آسيا فى السيطرة على تفشى وباء «كوفيد- 19» إلى جعلها بطلة اقتصاد العالم، فقد استطاع كثير من البلدان الآسيوية الإفلات من ركود طفيف أو استمرت فى النمو، فى وقت كانت فيه أوروبا والولايات المتحدة غارقة فى ركود عميق.
ومع ذلك، لا تزال أجزاء من آسيا مشلولة؛ بسبب فيروس كورونا، رغم أن اقتصادات الغرب تستعد لانتعاش ناجم عن اللقاحات، المقرر أن يعيد ناتجها الاقتصادى إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول نهاية هذا العام.
ونتيجة ذلك، فمن المتوقع تباطؤ النمو فى الأشهر المقبلة، رغم أن إنتاج المنطقة بالفعل أعلى من مستواه السابق للوباء.
وقال بنك التنمية الآسيوى، فى توقعاته الإقليمية الأخيرة، إنّ اقتصادات المنطقة كانت متباينة، وإنَّ مزيداً من موجات وباء «كوفيد- 19» يشكل مخاطرة كبيرة.
وقال ياسويوكى ساوادا، كبير خبراء الاقتصاد فى بنك التنمية الآسيوى: «حالات تفشى الوباء الجديدة لا تزال مستمرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى المتغيرات الجديدة، كما أن العديد من الاقتصادات الآسيوية تواجه تحديات فى شراء اللقاحات وإدارتها». وتوقع بنك التنمية الآسيوى نمو الاقتصادات الآسيوية النامية بنسبة 5.6% فى عام 2021، بقيادة نمو الاقتصاد الصينى بنسبة 8.1% والاقتصاد الهندى بنسبة 11%، لكن التهديد المستمر لفيروس كورونا يعنى أن المخاطر سلبية فيما يتعلق بهذه التوقعات.
من جانبه، قال ستيف كوشرين، كبير الاقتصاديين فى مؤسسة «موديز أناليتكس» بسنغافورة: «قبل ستة أشهر، أو ثمانية أشهر، كنت سأقول إنَّ آسيا ستكون فى صدارة اللعبة؛ لأنها قادرة على السيطرة على الوباء».
وأشار إلى أن الصورة تغيرت الآن، فالهند تعانى موجة وبائية شديدة، ولا تزال حالات الإصابة مرتفعة فى دول مثل إندونيسيا والفلبين وتايلاند، التى لم تتمكن من إعادة فتح صناعة السياحة الحيوية فيها.
وبشكل أكثر دقة، تمكنت دول مثل اليابان من السيطرة على الوباء فقط من خلال فرض قيود تبقى أجزاء من اقتصاداتها فى حالة سبات.
وقال «كوشرين»: «بعض البلدان تحتاج إلى اللقاح للسيطرة على الوباء، والبعض الآخر يحتاجها ليتمكن من الانفتاح على السفر والسياحة الدوليين».
ويبدو أن الوعد بتحقيق اقتصاد الولايات المتحدة نمواً أكثر من 6% هذا العام، نتيجة التحفيز المالى للرئيس جو بايدن، من شأنه جعل المصدرين الآسيويين ينتظرون حدوث شىء جيد، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
ومع ذلك، كانت التوقعات أكثر هدوءاً مما قد يوحى به النمو الأمريكى القياسى عادةً، فقد اشترى الأمريكيون بالفعل الكثير من السلع أثناء الوباء، فى حين أن أسعار الفائدة الأمريكية المرتفعة تعنى ظروفاً مالية أكثر تشدداً فى آسيا.
قالت فريا بيميش، كبيرة الاقتصاديين فى آسيا لدى مؤسسة «بانثيون مايكروإيكونوميكس»: «إضافة الحافز فى هذه المرحلة، من منظور البضائع، هو اختبار حقيقى لما إذا كانت الرغبات لا تشبع».
مع انفتاح الاقتصاد، من المحتمل أن يدفع المستهلكون الأمريكيون مقابل الخدمات التى حرموا منها أثناء الإغلاق، مثل وجبات الطعام فى الخارج وقصات الشعر، بدلاً من استبدال أجهزة التليفزيون الخاصة بهم مرة أخرى.
وأشارت «بيميش»، إلى وجود بعض التداعيات غير المباشرة من التحفيز الأمريكى، موضحة أن مقدمى الخدمات يحتاجون إلى المعدات أيضاً.
وأضافت: نعتقد أن الناس سيجدون سلعاً جديدة ليشتروها، وأن آسيا ستستفيد من ذلك، لكن نعتقد أيضاً أن الصين ستستفيد بشكل نسبى أقل من تعافى الخدمات مقارنة بانتعاش التصنيع.
وسواء اتضح أن الطلب الأمريكى الإضافى على السلع كبير أو صغير، فمن الواضح أنه إيجابى.
وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ أسعار الفائدة المرتفعة فى الولايات المتحدة والدولار الأقوى سيهددان العديد من الاقتصادات الآسيوية الناشئة بتكرار «نوبة الغضب» التى حدثت فى عام 2013.
وأشارت «فاينانشيال تايمز» إلى أن زيادة التكامل المالى والاقتراض بالعملات الأجنبية يعنيان أن آلام ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، سيتم الشعور بها سريعاً على الجانب الآخر من المحيط الهادئ.
وقال فريدريك نيومان، الرئيس المشارك لاقتصاديات آسيا لدى «إتش. إس. بى. سى» فى هونج كونج: «الدولار القوى لم يعد نعمة لا تشوبها شائبة بالنسبة لآسيا، فهو سيساعد الصادرات لكنه يشدد الأوضاع المالية».
مع ذلك، كان التضخم ضعيفاً فى معظم دول آسيا الناشئة. كما أن بنك التنمية الآسيوى قال إن خطر حدوث صدمة من صنع الولايات المتحدة للأوضاع المالية لا يزال من الممكن التحكم فيه فى الوقت الراهن، فاقتصادات مثل سريلانكا ولاوس ستكون عُرضة للخطر إذا حدثت مثل هذه الصدمة.
وتتمتع بعض الاقتصادات الآسيوية بوضع جيد للأعوام القليلة المقبلة، خاصة تايوان وكوريا الجنوبية اللتين تتعرضان لدورة أشباه الموصلات.
لكن الاقتصادات الآسيوية الأخرى ستجد نفسها فى وضع غير مألوف من الاعتماد على الطلب المحلى لتسجيل نمو اقتصادى، والصين نفسها واحدة من الدول التى تشكل أكبر علامات الاستفهام؛ حيث تشير أرقام الربع الأول إلى أن الاقتصاد فقد القليل من الزخم.
قال «كوشرين»، من «موديز أناليتكس»: «الطلب المحلى الصينى لا يزال أمامه طريق ليقطعه. توقعنا الآن هو تحقيق اقتصاد الصين نمواً نسبته 8% فى عام 2021، لكن الأمر يعتمد بشكل كبير على صناع السياسات ومدى سرعة انسحابهم من التحفيز».