ينتشر النقص في أشباه الموصلات عبر سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم، وتوقفت مصانع السيارات عن العمل بسبب المعاناة في العثور على أشباه الموصلات، وتحذر شركات صناعة الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية من أن النقص بدأ يطال إنتاج أجهزة التلفزيون والأجهزة المنزلية والهواتف الذكية، وأصبحت الحاجة للاستثمار الحكومي في قدرة صناعة الرقائق المحلية من المجالات النادرة التي تتفق عليها السياسة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين، لكن المسؤولية الأساسية لتعزيز سلاسل التوريد تقع على عاتق الشركات نفسها.
ويعد التصنيع في الوقت المناسب – الذي تصل بموجبه الأجزاء إلى المصانع عند الحاجة تماما – أحد أعاجيب العولمة، ومن خلال تنسيق التحركات الدقيقة للسفن والقطارات وسائقي الشاحنات عبر القارات، يمكن لشركات صناعة السيارات والأجهزة الإلكترونية ضمان وصول الأجزاء إلى حد كبير عندما تكون مطلوبة، ولا تترك أساليب الإنتاج الدقيقة تلك مجالًا للخطأ، وأثبت هذا النموذج في أغلب الأوقات أنه مرن وقابل للتكيف، فقد تم التغلب على النقص الأولي في معدات الوقاية الشخصية أثناء الوباء إذ تم إعادة توجيه الإنتاج أو نقله.
ويعود النقص الحالي في الرقائق جزئيا إلى التقلبات صعودا وهبوطا في الطلب، وخفضت الشركات، ولا سيما شركات تصنيع السيارات، الطلبيات عند بدء عمليات الإغلاق الأولى، وتوقعت أن طلبها للكثير من الرقائق قد يتركها مع مخزونات هائلة، وفي الآونة الأخيرة، أدى مزيج اللقاحات والدعم الاقتصادي الحكومي إلى انتعاش أسرع بكثير مما كان متوقع، ما أدى إلى زيادة في الطلبيات الجديدة، كما أدت عمليات الإغلاق، بدلا من تقليل مشتريات الرقائق، إلى زيادة في شراء الأجهزة الإلكترونية للعمل والترفيه على حد سواء.
ولعبت الجغرافيا السياسية دورا أيضًا إذ تنتج تايوان وكوريا الجنوبية الغالبية العظمى من أشباه الموصلات القياسية والرقائق المستخدمة في السيارات والأجهزة، لكن التصاميم غالبا ما تكون مرخصة من الولايات المتحدة، وأدى قرار الحكومة الأمريكية بتقييد صادرات التكنولوجيا إلى الصين إلى قيام بعض المصنعين الصينيين بتخزينها، تحسبا لمزيد من القيود، ومؤخرا، تسبب ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا في تايوان في قيام بعض الشركات المصنعة بإغلاق المصانع، ما زاد قيود المعروض في الوقت الذي يتزايد فيه الطلب.
ويحافظ الإنتاج في الوقت المناسب على انخفاض التكاليف ولكنه يوفر القليل من الضمانات أمام مثل هذه الاضطرابات، ويدفع صانعو السيارات وغيرهم الآن ثمن التأخير في الإنتاج والمبيعات الضائعة والضرر الذي يلحق بالسمعة، ويعد مخزون الرقائق المرتفع هو شكل من أشكال التأمين ضد هذه التكاليف اللاحقة.
ولا داعي لتحمل الدولة هذه التكاليف خاصة وأن صانعي الرقائق يحققون أرباحا جيدة، وهي أرباح يجب أن تكون كافية لدفعهم للاستثمار، وقد يتبع النقص الحالي فائض مع ازدهار الاستثمار في المصانع، وأعلنت “إنتل” في وقت سابق من العام الحالي أنها تبني مصنعين في ولاية أريزونا، في حين افتتحت شركة “بوش”، أكبر مورد لقطع غيار السيارات في أوروبا، مصنعا في دريسدن يوم الاثنين.
وفي الوقت الحالي ، تدفع الشركات ثمن إعطاء الأولوية للإنتاج “في الوقت المناسب” على حساب “ماذا لو؟”، وستحتاج حماية سلاسل التوريد في المستقبل إلى تغيير طريقة التفكير بجانب استعدادا أعلى للإنفاق، وهو ما ينطوي على توظيف مديرين لسلسلة التوريد قادرين على التوقع وتجنب الاختناقات من خلال تنويع المصادر، والتعاون مع الموردين، واستخدام التكنولوجيا الذكية لتوقع المشاكل، وليس فقط تخطي فترات الركود، وتعتبر بعض الرقائق حيوية مثل تلك المستخدمة في القطاعات الدفاعية والعسكرية، ولكن مواجهة بعض شركات صناعة السيارات وشركات الإلكترونيات الاستهلاكية تأخيرات في الإنتاج لا تشكل مصدر قلق للأمن القومي، وبالتالي يجب على الشركات، وليس دافعي الضرائب، أن يؤمّنوا سلاسل توريدهم لمصلحتهم الخاصة على المدى الطويل.
بقلم: افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.